ريح عاتية تعصف بقطاع الطاقة: الرياح تجري بما يشتهي البعض وتعاند الأكثرية
لا يخفى على أحد أن قطاع النفط والغاز واجه عاصفة شديدة أدت إلى اختلال توازنه. فقد شهد القطاع انخفاضاً حاداً في أسعار السلع وتراجعاً كبيراً في الطلب، وزاد إلى ذلك التصور السلبي المتصاعد تجاه استخدام الوقود الأحفوري لا سيّما في الدول الغربية.
ولم تعد شركات الطاقة الكبرى على المستوى الدولي، باعتبارها أهم الشركات في أسواق الأسهم والتي تفوق بقية الشركات من حيث القيمة السوقية بأضعاف مضاعفة، تتمتع بمكانة مميزة في الأسواق مثلما كانت في السابق مما اضطرها لإعادة التفكير بنهج العمل الذي تعتمده، والتركيز على "عائد أرباح الأسهم" بدلاً من "تحقيق النمو" من أجل الحفاظ على ولاء المساهمين.
وشهدت شركات النفط والغاز الصغيرة والمتوسطة، التي كانت بالكاد تلتقط أنفاسها بين الحين والآخر، مزيداً من الضغوطات التي وصلت إلى حد التشكيك بدورها أو حتى باستمرار وجودها في المستقبل. وقد اتبعت هذه الشركات نهج "العثور على الصفقة وتمريرها" وهو نهج قائم على استكشاف مصادر جديدة للنفط والغاز وتمريرها لشركات أكبر حجماً مقابل الربح. وعلى الرغم من ذلك، فإن تحول التوجهات الاستثمارية في مجال النفط والغاز من ذروة العرض إلى ذروة الطلب، يضع استمرار هذا النهج في العمل على المحك.
وبغض النظر عن حسن نوايا شركات النفط والغاز، إلا أن استمرارها بإدارة أعمالها بالطريقة الحالية لا يضمن لها الاستدامة، إذ لا يمكنها الاستفادة من الريح التي هبّت أو مجاراتها ما لم تحدد أهدافها مسبقاً.
وتسعى جميع شركات الطاقة العالمية إلى تحديد ملامح المرحلة القادمة، بدءاً من اتخاذ الخطوات البسيطة الرامية إلى الحد من أثر البصمة الكربونية وصولاً إلى مستقبل خالٍ من الوقود الأحفوري. ووسط هذا الهرج والمرج، تتمتع شركات النفط المحلية في الشرق الأوسط بالعديد من المزايا التنافسية التي تتلخص فيما يلي:
- موارد هائلة تفوق ما يتوفر لدى الشركات العالمية؛
- بخلاف الشركات الكبيرة على المستوى العالم، تحصل الشركات المحلية والمملوكة للدولة على حصتين من الكعكة في قطاع الطاقة، وتزيد هذه الحصة عند انخفاض أسعار النفط؛
- الموقع الجغرافي القريب من مستهلكي الطاقة الأسرع نمواً في القارة الآسيوية ومتانة العلاقات الاستراتيجية والسياسية معهم؛
- الوضع المالي القوي لهذه الشركات في السوق حيث ينظر إليها على أنها "ملوك" السوق (وبالتالي فهي تتمتع بأمان أكبر)؛
- الملكية الفردية لهذه الشركات مما يجعلها أقل عرضة لمتطلبات الأسواق العامة المتضاربة في بعض الأحيان.
وعلى النقيض من المصير المجهول لشركات النفط والغاز الدولية، يمكن لشركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط أن تتخذ مساراً مغايراً. فهي تتمتع بقوة مالية وهي مملوكة لجهة واحدة تتبع استراتيجية بعيدة المدى تقوم على استغلال الفرص التي تولّدها الأزمات.
الوقت مناسب وجميع الظروف مواتية: حيث تبدو تقييمات الأصول مقنعة في ظل الضغوط المتصاعدة على الشركات الدولية الكبرى للحد من ميزانياتها العامة، فيما تتمتع شركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط بسيولة كافية للسيطرة على السوق.
وأمام شركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط فرصة تاريخية للاستفادة من:
السيولة الكبيرة
إن تغيير طريقة التفكير بحيث يتم التركيز على امتلاك المواد الأولية بدلاً من التركيز على امتلاك المنتج النهائي، سيسهم في جذب استثمارات البنية التحتية لقطاع النفط والغاز بشكل كبير.
وفي ظل انخفاض الإنتاج إلى مستويات قياسية ووفرة رأس المال المتاح لأصول البنية التحتية، فإن الوقت مناسب لفصل ملكية (وليس استخدام) المنتج النهائي عن المواد الأولية من أجل الحصول على السيولة.
وتسهم زيادة رأس المال في:
- تحقيق قيمة أكبر بكثير لاستثمارات النفط والغاز؛
- جذب المزيد من المستثمرين إلى المنطقة ممن لم تكن لديهم الجرأة الكافية على الاستثمار خارج أسواق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية؛ بالإضافة إلى
- الحفاظ على نمو شركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط.
إن عملية زيادة رأس المال الجارية حالياً ليست سوى البداية، حيث يتمتع الشرق الأوسط بإمكانات كبيرة لا تؤهله للاستفادة من السيولة التي تعزز قدراته التنافسية فحسب، وإنما تسهم أيضاً في تعزيز نموه بما في ذلك عمليات الاستحواذ.
"اشترِ أكثر مما تؤسس" لتحقيق نمو كبير في مجال الغاز والغاز الطبيعي المسال
ويعتبر كل من الغاز والغاز الطبيعي المسال من الوقود التي يمثل الاعتماد عليها مرحلةً انتقالية نحو الاعتماد على الطاقة المتجددة. وبينما اقترب وصول الطلب على النفط إلى الذروة، من المتوقع أن يتنامى الطلب العالمي على الغاز ويعزز ذلك الأسواق الآسيوية التي تعوض انخفاض الطلب في الأسواق الأوروبية.
وعلى الرغم من أن الاعتماد على الغاز والغاز الطبيعي المسال بشكل متزايد يوفر الكثير من الفرص، إلا أن بعض المساهمين في شركات النفط والغاز الرئيسية على المستوى الدولي ما زال متردداً في تحديد مدى النمو الذي سيحققه هذا القطاع.
وقد تمنع هذه الضغوطات، إلى جانب ضرورة توفر رأس مال ضخم في قطاع والغاز الطبيعي المسال، بعض الشركات الرئيسية من تنمية أعمال الغاز والغاز الطبيعي المسال بالسرعة المطلوبة، مما يمثل فرصة لبعض شركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط.
وتقتصر استثمارات العديد من شركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى دولة قطر، على النفط فقط. إلا أن هذا الواقع سيتغير في ظل استكشاف كميات وفيرة من الغاز في المنطقة.
إن شراء حصة كبيرة في إحدى منصات إنتاج الغاز الطبيعي المسال الكبرى يعني أن شركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط حظيت بانطلاقة قوية وأنها تواصل مسيرة التطوير بوتيرة متسارعة. ولن يؤدي ذلك إلى تمكين شركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط من تعزيز دورها في تحول الطاقة فحسب، وإنما سيسهم كذلك في تحقيق قيمة كبرى.
وبالنسبة للشركات الكبرى، تمثل شركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط شريكاً استراتيجياً على المدى الطويل يساهم في تحرير رأس المال بالإضافة إلى المشاركة في تحمل أعباء المتطلبات المستقبلية لرأس المال. كما أنها تمكّن الشركات الرئيسية من الحفاظ على مكانتها في قطاع الغاز والغاز الطبيعي المسال مع استكشاف نموذج جديد للطاقة.
إن أسواق الطاقة الأسرع نمواً، لا سيما الأسواق الآسيوية، هي إما شركات تركز جزئياً على الاستثمارات أو شركات ذات نشاط استثماري محدود. وستعاني الشركات المحلية الأصغر من نقص رأس المال في ظل القوانين السائدة حالياً.
التحول إلى شركة دولية أكثر تكاملاً لتحقيق قيمة أفضل
ويعتبر ذلك فرصة أخرى لشركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط لتحقيق النمو على المستوى الدولي.
ويمثل استثمار الأسهم في الخارج إحدى فرص النمو، إلا أنه يستغرق وقتاً طويلاً وينطوي على الكثير من الصعوبات ويحد من عدد الاستثمارات التي يمكن إنجازها.
ولعل الاستثمارات البديلة المتاحة لشركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط تتمثل في شراء حصة كبيرة في المصافي المحلية والمنشآت البتروكيماوية على المدى البعيد.
ويعتبر هذا التوجه حلاً سريعاً للتعامل مع السوق بالنسبة لشركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط من أجل تأمين بعض مصادر توريد النفط الخام، والذي يمكن استخدامه على نطاق واسع والتخلص منه إذا لزم الأمر بخلاف الأسهم.
وقد تتمثل بعض الحلول الشاملة الأخرى في استغلال شركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط لعلاقاتها مع البنوك بهدف الحصول على التمويل اللازم لتنمية أعمالها وتعزيز حضورها الدولي دون المخاطرة بالاستثمار في الخارج.
إن الأزمة الراهنة تمثل دون أدنى شك نقطة تحول تاريخية سواء بالنسبة لشركات الطاقة الكبرى من أجل تسريع خطواتها في مرحلة تحول الطاقة، أو بالنسبة لشركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط من أجل تعزيز حصتها في السوق ودخول الأسواق العالمية.
ولا يختلف اثنان على أن شركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط تتمتع بأسس متينة للتأقلم مع العاصفة، وبالحكمة اللازمة للاستفادة من الفرص التي تولدها الأزمات.