التعامل مع المعاناة المالية للمواطنين كبار السن
قد يكون التقدم في السنّ سبباً للضيق واليأس الذي يجبر العديد من الأشخاص على تغيير طريقة حياتهم بشكل جذري. لكن الأزمة تمتد إلى الدول أيضا، التي باتت مضطرة بصورة متزايدة إلى التعامل مع شرائح سكانية تفوق فيها أعداد المسنين أعداد الشباب.
وأشار تقرير للبنك الدولي صدر في عام 2015 إلى أن: "الشيخوخة قد تكون أحد أكثر العوامل تأثيرا فيما يتعلق بالتغيرات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي من المرجح أن تشهدها المجتمعات على مدى الأعوام الأربعين المقبلة"، محذرا من أن العقود الزمنية المقبلة ستنطوي على تحولات سكانية غير مسبوقة.
من يدفع ثمن ذلك؟
بينما تشهد بعض الدول طفرة سكانية، تقول الأمم المتحدة بأنه من المتوقع أن تشهد النسبة المئوية للمسنّين ازدياداً كبيراً في العديد من البلدان.
فمن المتوقع أن ترتفع نسبة الأشخاص فوق سن الستين في اليابان من 33 إلى 42 في المائة من تعداد السكان بحلول عام 2050، كما ستشهد فرنسا زيادة مماثلة، من 26 إلى 32 في المائة، وفي الإمارات سيرتفع الرقم من 2.4 إلى 18.7 في المائة بحلول منتصف القرن.
ويعتبر التحول في نسبة الموظفين مقابل المسنّين المشكلة الرئيسية الناشئة عن هذا التغير السكاني الجذري، فقد كان هناك 10 موظفين مقابل كل شخص فوق سن الـ64 في عام 1970 على الصعيد العالمي، لكن من المتوقع أن ينخفض هذا العدد إلى أربعة موظفين فقط لكل متقاعد بحلول عام 2050. أما في بعض الدول الأوروبية فقد يكون هناك عاملان فقط لكل شخص فوق سن 64 عاماً.
ونتيجة لذلك فلن يكون بمقدور السكان العاملين تمويل رعاية ومعاشات المسنّين، وسيتعين على واضعي السياسات إيجاد بدائل.
تغيير الأهداف
تتطلع العديد من البلدان بالفعل إلى رفع سن التقاعد، وبالتالي السن التي سيبدأ فيها سداد المعاشات التقاعدية الممولة من الدولة.
في اليابان، كان سن تقاعد اليابانيين تاريخياً هو 55 عاماً، ثم ارتفع إلى 60 عاماً في 1998، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 65 عاماً بحلول 2025. وينصح بعض الأطباء في اليابان بتأخير تعريف المواطن المسن حتى سن الـ75، وهو ما من شأنه أن يصنف الأفراد في عمر 65-74 عاماً على أنهم في عمر ما قبل الشيخوخة، وبالتالي تمكينهم من العمل أو التطوع لفترة أطول.
وفي الأثناء، تقوم هولندا بإلغاء حوافز أنظمة التقاعد المبكر، فيما ستقوم المملكة المتحدة برفع سن التقاعد الحكومي إلى 68 عاماً خلال الفترة ما بين 2037-2039، أي قبل خمسة أعوام من الموعد المخطط له.
كما يعتبر التقاعد التدريجي خياراً أيضاً في العديد من البلدان، إذ يمكن للعمال كبار السن أن يختاروا العمل بدوام جزئي بعد سن التقاعد الرسمي. ويعدّ هذا الأمر مفيداً في كثير من الأحيان لكل من أرباب العمل الذين يُقدّرون الخبرة والمعرفة التاريخية للموظفين المسنّين، وللموظفين أثناء تأقلمهم مع مرحلة جديدة من الحياة.
إنفاذ التغيير
جرى وضع العديد من الخطط المختلفة لإقناع الأجيال الشابة بتوفير المزيد من أجل تقاعدهم، لكن المشكلة تتفاقم بسرعة تدفع صنّاع القرار لدراسة طرق جعل مدخرات التقاعد إجبارية.
أستراليا مثلا كانت واحدة من رواد أنظمة التقاعد الخاصة الإجبارية، إذ يجب على أرباب العمل الآن دفع 9.5 في المائة من راتب الموظف إلى نظام التقاعد، ومن المقرر أن ينمو هذا الرقم بشكل متزايد في الأعوام المقبلة. وتطبق عدة بلدان أخرى الآن مستوى معين من الإلزام بمدخرات التقاعد، إما من خلال التسجيل التلقائي، أو عن طريق إجبار الشركات الخاصة للقيام بالمزيد.
وعلى الرغم من أن إخبار الناس عن كيفية إنفاق أموالهم قد يبدو غير مستساغ في بعض الأحيان، إلا أن العديد من الخبراء يقولون إن ذلك لا يختلف عن الطبيعة الإجبارية لفرض الضرائب.
مشهد متغير
ثمة طريقة أخرى لتخفيض نسبة الإعالة بين كبار السن والشباب تتمثل بالهجرة، إذ سيقوم العمال المغتربون بملء النقص في المهارات وسيدفعون الضرائب، من دون أن يكونوا مؤهلين للحصول على معاشات تقاعدية من الدولة.
إلا أن الوضع في الواقع لا يزال معقدا في العديد من الدول. ففي ألمانيا رحّبت المستشارة أنجيلا ميركل في البداية بالمهاجرين بسبب التعاطف مع محنة اللاجئين من جهة، وبسبب النقص الحقيقي في العمالة الماهرة في ألمانيا من جهة أخرى. لكن مع وصول أعداد متزايدة من المهاجرين، \تغير المشهد السياسي وأُرغمت الحكومة في نهاية المطاف على الحد من عدد المهاجرين القادمين.
ومع ذلك، إذا كان بالإمكان إدارة الهجرة ودمج المهاجرين بشكل فعال، فمن المرجح أن يقدم العمال المهرة من الخارج مساهمة كبيرة إلى القوى العاملة في البلدان الأكثر تأثراً ومعاناةً من شيخوخة السكان.
حان الوقت لاتخاذ الإجراءات
هناك موضوع آخر يجب أن يأخذه واضعو السياسات في الحسبان.
فبينما يتسبب السكان المسنّون بخسائر في ميزانيات الدول، فإن كبار السن يصبحون أكثر تأثيراً في الديمقراطيات وذلك ببساطة بسبب ارتفاع ما يسمى بـ"الأصوات الرمادية". فالقليل جداً من الناس سيصوتون لصالح السياسات التي تعاقبهم، وإذا أرادت الحكومات إحداث تغييرات كبيرة تزيد من العبء المالي على كبار السن، فقد يكون من الأسهل إجراء هذه التغييرات عاجلاً وليس آجلاً.