ما الذي تعلّمته الحكومات من الأزمة المالية في 2008؟
تخلّف الجروح ندوبا، والأمر نفسه ينطبق على الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم في 2008، والتي باتت تعتبر أطول وأشد الأزمات الاقتصادية العالمية منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين.
لقد مضى الآن أكثر من عقد من الزمن على بدء الأزمة في الولايات المتحدة، التي استمرت رسمياً من ديسمبر 2007 وحتى يونيو 2009. وخلال هذه الفترة، أثّر الركود الاقتصادي على معظم مناطق أوروبا، في حين شهدت كل من الصين والهند تباطؤاً في النمو الاقتصادي.
بعد مرور عشرة أعوام، أصبح الاقتصاد الأمريكي في حالة جيدة، حيث تعافت أرباح الشركات وازدهرت أسواق الأوراق المالية وأصبح النمو الاقتصادي سليماً وتراجعت نسب البطالة.
ومع ذلك، فقد تغيّرت الدول والمجتمعات والأفراد الذين تضرروا، وسارع واضعو السياسات إلى تعويض شدة آثار تلك الأزمة ونجحوا في إيقاف الأحداث من الخروج عن السيطرة. لكن لا تزال هناك تساؤلات عما إذا كانت الجهود التي بُذلت كافية لمنع حدوث أزمة عالمية أخرى وتخفيف الضرر الذي ما زال مستمراً.
لغز سياسة "أكبر من أن تفشل"
تعود جذور الركود الاقتصادي إلى أسواق الرهن العقاري في الولايات المتحدة، حيث تبيّن أنّ المقرضين راكموا كميات كبيرة من الديون المستحقة التي من غير المرجح أن يتم سدادها. وأدى عدم المعرفة بالمصارف صاحبة "الديون المعدومة" إلى حالة من الخوف وسحب الأموال، ومن ثم الذعر.
حينها، انهار مصرفان كبيران يتمتعان بسمعة حسنة، أولهما "بير ستيرنز" ومن ثم "ليمان براذرز"، وتدخلت الحكومات بسرعة لحماية مصارفها ومؤسساتها المالية التي كانت ضعيفة أمام آثار العدوى.
وأصبحت مثل تلك التدخلات، حيث تستخدم الأموال العامة لدعم الشركات الخاصة الهامة، ظاهرة معروفة لها مصطلحاتها الخاصة وتُسمى "أكبر من أن تفشل". لكن هذا المفهوم يخلق مشكلة، فإذا كان المصرف مهماً للغاية بحيث لا يمكن تركه يفشل، فما الذي قد يمنعه من الانخراط في سلوكيات خطرة؟
وبما أن معظم الشركات المعنية متعددة الجنسيات، فهناك حاجة إلى اتفاقيات عالمية لمواجهة مثل هذ السلوكيات غير المسؤولة والتوقف عن جعل مبدأ "أكبر من أن تفشل" شبكة أمان حكومية للمجازفات التي يقوم بها القطاع الخاص.
ومنذ ذلك الحين، تمّ إحراز بعض التقدم، وازداد الاهتمام التنظيمي بنماذج الأعمال التي يُرجّح أن تشكّل مخاطر منهجية، وأصبح النظام المالي ككل أكثر قدرة على تحمل الصدمات.
وعلى الرغم من ذلك، لا يزال لغز سياسة "أكبر من أن تفشل" قائماً. وقد ألّف بن برنانكي، الذي شغل منصب رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خلال الأزمة المالية، ورقة بحث عام 2016 يسلّط فيها الضوء على النهج الصحيح لمبدأ "أكبر من أن تفشل"، أشار خلالها إلى أن السياسات لا تزال تعتبر قيد الإنجاز.
التخلي عن العمل
يبدو أن انتعاش سوق العمل في ظاهر الأمر هو أقل بكثير من مجرد عمل لا يزال قيد الإنجاز، فقد ارتفعت معدلات البطالة في الولايات المتحدة إلى 10 في المائة خلال ذروة الركود الاقتصادي في أكتوبر عام 2009، إلّا أنّها انخفضت الآن إلى 4.1 في المائة، وهو أدنى معدل لها منذ بداية القرن الحادي والعشرين.
لكن الباحثين يشعرون بقلق متزايد إزاء مجموعة أخرى من البيانات أيضا، تتعلّق بمعدل المشاركة في سوق العمل الذي لم ينتعش بنفس المستوى. فبينما يُحصي معدل البطالة عدد الأشخاص الذين يبحثون عن عمل، تُسلط معدلات المشاركة في سوق العمل الضوء على عدد الأشخاص في سن العمل الذين لا يبحثون عن عمل بشكل نشط.
ووصلت نسبة المدنيين بسن 16 عاماً وما فوق من العاملين أو الذين يبحثون بنشاط عن عمل، إلى 66 في المائة في ديسمبر من عام 2007. وانخفض المعدل إلى 62.7 في المائة فقط في أكتوبر 2017. ويرجع هذا الانخفاض الملحوظ جزئياً إلى أن العاملين يشعرون بالإحباط إزاء فرص حصولهم على وظائف لدرجة أنهم لا يسجلون أنفسهم حتى كباحثين عن عمل، وذلك وفقاً لدراسة أجراها مركز "بيو" للأبحاث.
وتركّز فائض العمالة للركود الاقتصادي 2008 بشكل أساسي في الوظائف التي تتطلّب مهارات متوسطة مثل البناء والتصنيع والتسويق عبر الهاتف وأعمال الدعم الإداري، التي كانت في الواقع أكثر ضعفاً في مواجهة الأتمتة والتجارة العالمية. ولا يزال إرث الركود الاقتصادي 2008 يفسد حياة أعداد كبيرة من الناس الذين ليس لديهم سوى القليل من فرص العمل البديلة.
معاناة فقدان الوظائف
لقد زاد تركّز فقدان الوظائف في هذه المجالات من الفجوة بين الأغنياء والفقراء، إذ أن غالبية العاملين الحاصلين على تعليم جامعي خرجوا من دائرة الركود دون أذى.
وعلى الرغم من الفهم الحالي الأكبر لطبيعة المشكلة، إلا أن الحلول تُعتبر أقل وضوحاً عندما يتعلق الأمر بإعادة العمالة المتوسطة إلى مكان العمل، وذلك وفقاً لبحث أجرته مؤسسة "بروكينغز". واقترح بعض الخبراء خفض مستوى برنامج شبكة الأمان أو وضع المزيد من السياسات المراعية للأسر؛ لكن إذا كان سيتم تعليم هؤلاء العمال مهارات جديدة، فسيتعين على واضعي السياسات السعي لإصلاح شامل للتعليم والتدريب على حدٍّ سواء.
وأدى الركود إلى حد ما إلى تكثيف توجّهٍ طويل المدى كان قد بدأ بالفعل، حيث أن الكثير من الاقتصادات الغربية أخذت تزيد عدد وظائف قطاع الخدمات، وهي تدرك كيف سيؤدي تزايد الأتمتة إلى إحداث تغيير في عالم العمل.
ومع ذلك يتطلب التسارع في توجه ما تسارعاً مقابلاً في وضع السياسات، ولا يزال يتعين إجراء بعض التغييرات الجذرية من أجل منع حدوث أزمة مالية عالمية أخرى وضمان وجود أكبر عدد ممكن من الأفراد في سوق العمل.
فعلى الرغم من أن اقتصاد الولايات المتحدة قد يبدو بحال جيدة، لكن آثار الركود الاقتصادي لا تزال واضحة بالتأكيد.