English
s

هل "تدريب الوعي" أمر مختلق؟

WGS001B06 Is mindfulness made up
WGS001B06 Is mindfulness made up

"لا تفكروا كثيراً بالماضي، ولا تحلموا بالمستقبل، بل ركزوا على اللحظة الراهنة".

 

يمكن الافتراض أن سيدهارتا غوتاما لم يكن يفكر فعلاً بالمستقبل، عند قوله هذه الكلمات قبل نحو 1500 عام. لكن الرجل الذي يعرفه معظمنا باسم بوذا كان يتحدث عن أسلوب أصبح منذ ذلك الحين منتشرا في جميع أرجاء العالم.

 

يُعتبر "تدريب الوعي" (Mindfulness)، أي تصفية الذهن للتركيز على اللحظة الراهنة، من المحاور الأساسية للبوذية والهندوسية. وقد بدأ ينتشر مؤخراً في العالم العلماني أيضاً مع اكتساب اليوغا شعبية واسعة النطاق.

 

ويشهد القرن الحادي والعشرين انتشارا متزايدا لـ"تدريب الوعي"، ليتخطى المعابد ومراكز تعليم اليوغا ويدخل إلى أماكن العمل.

 

 

 

كما بدأت ممارسته حالياً في شركات دولية مثل "غوغل"، وفيسبوك" و"غولدمان ساكس"، وأوصت به أيضاً هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) في المملكة المتحدة لمساعدة الناس على التعامل مع ضغوطات الحياة العصرية.

 

لكن على الرغم من تنامي شعبية "تدريب الوعي"، فإن تساؤلات كثيرة لا تزال تحوم حول مدى فعاليته؛ ومنافعه في حال كان مفيداً.

 

ما رأي العلم؟

 

على الرغم من العدد الهائل من المقالات والدراسات التي نُشِرت على مدى العقود الماضية والتي تؤكد نجاح أسلوب "تدريب الوعي"، فقد اعتبر بحث أمريكي نشر في أكتوبر 2017 تحت عنوان "حاذروا الدعاية المسرفة" بأن "المعلومات المغلوطة والمنهجيات الضعيفة المرتبطة بالدراسات السابقة حول ’تدريب الوعي‘ قد تعرّض المستهلكين للأذى والتضليل وخيبة الأمل".

 

ويعتبر الباحثون الالتباس بشأن حقيقة "تدريب الوعي" من المشاكل الرئيسية؛ "نحن نعتبر أن ما نشهده من التباس بين الناس والدعاية المسرفة في وسائل الإعلام هما نتيجة استخدام مصطلحي ’تدريب الوعي‘ و’التأمل‘ دون التمييز بينهما".

 

"كما أن الصحفيين المتحمّسين، والمكاتب الصحفية الأكاديمية، ووسائل الإعلام الإخبارية، بمساعدةٍ وتحريض من الباحثين أحياناً، غالباً ما يفسرون النتائج التجريبية الأولية كما لو كانت حقائق ثابتة".

 

هل تدريب الوعي محفوفٌ بالمخاطر؟

 

يقول المؤلفون إن سوء الفهم المتعلق بفوائد التأمل وسلامته أدى إلى الاعتقاد بأنه يخلو من الآثار السلبية، وأنه يمكن أن يشكّل بديلاً للأدوية في علاج الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب.

 

لكن المؤلفين يشددون على المخاطر التي تهدد المرضى ذوي الميول الانتحارية، مستشهدين بأبحاث أخرى تحذر من أن الاستخدام واسع النطاق لأسلوب "تدريب الوعي" كتدخل طبي أمر سابق لأوانه.

 

ويعتبر نقص القوانين المفروضة على مزودي الخدمات الذين قد يعالجون أشخاصاً يعانون من اضطرابات نفسية خطيرة، دون تدريب مناسب، من المشاكل البارزة الأخرى.

 

الجدير بالذكر أن هذه المخاوف تتعدى نطاق الولايات المتحدة الأمريكية. إذ أشار تقرير نُشر في صحيفة "غارديان" في المملكة المتحدة إلى أدلة عن وجود مدربين غير مؤهلين يقدمون أنفسهم على أنهم خبراء، حتى ضمن هيئة الخدمات الصحية الوطنية.

 

وأضافت الصحيفة أن الأطباء النفسيين أعربوا عن قلقهم أيضاً من أن "تدريب الوعي" قد يحمل آثاراً جانبية مقلقة، تشمل حالات من "الانفصال عن الشخصية"، حيث يشعر الأشخاص وكأنهم يشاهدون أنفسهم في فيلم.

 

واختتم مؤلفو تقرير "حاذروا الدعاية المسرفة" دراستهم بالتشديد على الحاجة لمزيد من الأبحاث الأكثر جدية حول "تدريب الوعي"، لنعرف مدى فائدته الفعلية.

 

مشكلةٌ تبحث عن حل

 

 

المصدر: Shutterstock.com

 

قد يكون التراجع عن الموقف الحالي من "تدريب الوعي" أمراً صعباً، فهو أسلوب يروق للحكومات ومزودي الرعاية الصحية نظراً لانخفاض تكاليفه نسبياً.

 

ومن جهة أخرى، يسود الاعتقاد في الولايات المتحدة بأن الشركات التي تستخدم هذا الأسلوب قد تتمكن من تحسين الإنتاجية والحد من الأمراض التي يمكن الوقاية منها، مثل الأمراض المرتبطة بتعاطي الكحول أو التدخين، وبالتالي خفض فواتير التأمين الصحي.

 

ويمكن أن يكون اتخاذ موقف أكثر حذراً أمراً صعباً بالنسبة للسياسيين والشركات على حد سواء.

 

الموت نتيجة الإفراط بالعمل

 

لا شك أن هناك حاجةٌ ملحة لاتخاذ إجراءات حيال مستويات القلق التي نتعرض لها، وخاصةً مع تزايد الأدلة التي تشير إلى تسبب الضغوط النفسية المرتبطة بالعمل بوفيات مبكرة وأمراض يمكن تفاديها.

 

فقد أظهرت الدراسات أن خُمسَ العمال اليابانيين معرضون لخطر الوفاة المبكرة. وتمّ توجيه انتقادات حادة لاقتراحٍ حكومي تم طرحه في أبريل يحدد ساعات العمل الإضافي للعمال بنحو 100 ساعة شهرياً كحد أقصى. وتضمنت مقترحات لاحقة تحديد ساعات العمل الإضافي بـ45 ساعة شهرياً كحد أقصى، مع بعض الاستثناءات.

 

من جهة أخرى أظهر بحث أجرته جامعة ستانفورد أن الإجهاد والتوتر اللذين يتعرض لهما الأشخاص في مكان العمل، الناتجين عن ساعات العمل الطويلة وانعدام الأمن الوظيفي والافتقار إلى التوازن بين العمل والحياة، يساهمان في 120 ألف حالة وفاة في الولايات المتحدة سنوياً على الأقل، ويكبّدان قطاع الرعاية الصحية ما يصل إلى 190 مليار دولار أمريكي.

 

عليكم بالاسترخاء

 

لا شك من وجود مشكلة تحتاج لحل، ولكن ذلك يتطلب مراجعة شاملةً لظروف العمل التي يخضع لها الكثيرون، عوضاً عن إضافة "تدريب الوعي" باعتباره الحل المنشود.

 

ولم يدّعِ بوذا مطلقاً أن "تدريب الوعي" هو الإجابة الشافية لجميع المشاكل، ومن الأفضل أن يحذوا الجميع حذوه.

 

لا شك أن هناك فوائد هامة يمكن أن يجنيها الكثير من الناس من خلال ممارسة "تدريب الوعي" بانتظام، ولكن لا بد من تعليمه بالشكل الصحيح، ودراسة آثاره المحتملة لتفادي تعريض الأشخاص سريعي التأثر للخطر.

 

ولعل الأهم من ذلك كله، هو ضرورة معالجة الحكومة والقطاعات للأسباب الكامنة وراء العديد من المشاكل التي يتم الاستعانة بأسلوب "تدريب الوعي" لمعالجتها.

 

في النهاية، فإن "تدريب الوعي" يشكل جزءا فقط من مسألة تحديد مسببات الضغوطات والتوتر والأمراض العقلية في مجتمعنا المعاصر.


تفاقم النزاعات أخطر ما يهدد ازدهار القارة السمراء

تلقّت المساعي الأفريقية لتحقيق ازدهار مستمر ومستدام ضربة موجعة في العام الماضي جرّاء أزمة كوفيد-19، إذ تشير تقديرات البنك الأفريقي للتنمية إلى تراجع اقتصاد القارة الأفريقية بنسبة 2,1 بالمائة عام 2020

ريح عاتية تعصف بقطاع الطاقة: الرياح تجري بما يشتهي البعض وتعاند الأكثرية

لا يخفى على أحد أن قطاع النفط والغاز واجه عاصفة شديدة أدت إلى اختلال توازنه. فقد شهد القطاع انخفاضاً حاداً في أسعار السلع وتراجعاً كبيراً في الطلب، وزاد إلى ذلك التصور السلبي المتصاعد تجاه استخدام الوقود الأحفوري لا سيّما في الدول الغربية. ولم تعد ش

ما الذي تعلّمته الحكومات من الأزمة المالية في 2008؟

تخلّف الجروح ندوبا، والأمر نفسه ينطبق على الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم في 2008، والتي باتت تعتبر أطول وأشد الأزمات الاقتصادية العالمية منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين. ​