مزرعة رياح بمساحة الهند قد توفر الطاقة للعالم بأكمله
تصدّرت طاقة الرياح العناوين في الفترة الأخيرة، حين تمكنت توربينات الرياح في ألمانيا من توليد كميات كبيرة من الكهرباء، لدرجة جعلت المنتجين يدفعون الأموال للمستهلكين مقابل استخدامها.
فقد تسبّبت الأحوال العاصفة التي شهدتها الدولة خلال عطلة نهاية الأسبوع بتراجع كبير في أسعار الطاقة لتبلغ "أرقاماً سلبية"، نظراً لأن إنتاج الطاقة المولّدة من الرياح فاق 39 ألف ميغاواط، وهي كمية تتطلّب عادة عشرات محطات توليد الطاقة لإنتاجها.
على الرغم من أن هذا الارتفاع في إنتاج طاقة الرياح في ألمانيا هو أمر غير مألوف في العادة، إلا أنه خير دليل على الإمكانات المذهلة التي تتمتع بها الرياح. وتبيّن البحوث الجديدة أن طاقة الرياح يمكن أن توفّر الحلّ لمشاكل الطاقة في العالم أجمع.
حيث تهبّ الرياح ...
أشار علماء من مؤسسة كارنيغي للعلوم في الولايات المتحدة أن محطة كبيرة من توربينات الرياح قد تنتج طاقة تكفي جميع سكان العالم.
وتشير أبحاث آنا بوسنر وكين كالديرا التي نشرت في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم إلى وجود "فرصة كبيرة لتوليد طاقة الرياح في المحيطات، لا سيما شمالي المحيط الأطلسي".
وقد استخدم الباحثان أدوات محاكاة متطورة لمقارنة إنتاجية مزارع الرياح الضخمة في كانساس بإنتاجية مزارع رياح ضخمة نظرية في المحيط، وتوصلا إلى إن هذه الأخيرة يمكنها أن تولّد ثلاثة أضعاف الطاقة التي تولدها نظيراتها على اليابسة على الأقل.
الانخفاض في قوة السحب
أفادت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في عام 2014 أن 3 في المائة من الطاقة في العالم ناتجة عن طاقة الرياح. وعلى الرغم من أن قدرة الإنتاج ارتفعت منذ ذلك الحين، فإن المسيرة لا تزال طويلة قبل أن يصبح استخدامها عالمياً.
وتوقع تقرير نشرته إدارة معلومات الطاقة في سبتمبر 2017 أن الفحم والنفط والغاز الطبيعي ستظل تمثل 77 في المائة من مصادر إنتاج الطاقة عام 2040.
ويمكن لمزارع الرياح العملاقة أن تخفّض هذه النسبة في وقت أقرب بكثير. لكن على الرغم من أن بناء مزرعة رياح ضخمة شمالي المحيط الأطلسي قد يبدو حلاً سهلاً، غير أنه سيواجه العديد من العقبات.
أولاً، ليس من الواضح ما إذا كان بالإمكان تحويل الرياح الأسرع التي تعصف وسط المحيط إلى كميات أعلى من الكهرباء.
وتساءل كالديرا: "هل يعود سبب السرعة الكبيرة للرياح فوق المحيط لكونها لا تصطدم بأي جسم يؤدي إلى إبطائها؟ وهل يمكن أن يؤدي إنشاء مزارع رياح عملاقة فوق المحيطات إلى إبطاء الرياح لدرجة أنها لن تكون أفضل من تلك المحطات على اليابسة؟".
كما أشار الباحثان إلى دراسات أخرى تشير إلى وجود معدل أقصى لتوليد الكهرباء من مزارع الرياح الكائنة على اليابسة.
وأضاف كالديرا معلقاً: "السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن للغلاف الجوي فوق المحيط أن يسحب الطاقة إلى الأسفل أكثر من استطاعة الغلاف الجوي على اليابسة؟".
ويعتقد الباحثان أن قوة السحب المتولّدة عن توربينات الرياح القريبة الأخرى، في شمالي الأطلسي تحديداً، لن تؤدي إلى إبطاء الرياح كما هو الحال على اليابسة.
ومن جهتها قالت بوسنر: "وجدنا أن مزارع الرياح العملاقة في المحيطات قادرة على الاستفادة من طاقة الرياح في معظم أنحاء الغلاف الجوي في حين أن مزارع الرياح على اليابسة لا تزال مقيدة بموارد الرياح القريبة من السطح".
لكن لا بد من التنبه إلى نقطة بالغة الأهمية: في حين أنه يمكن لمزارع الرياح شمالي المحيط الأطلسي أن توفر طاقة كافية لتلبية الاحتياجات العالمية الحالية خلال فصل الشتاء، لا يسعها في الصيف سوى توليد ما يكفي من الطاقة لتلبية احتياجات الكهرباء في أوروبا، أو ربما الولايات المتحدة.
مخاطر في عرض البحر
من المتوقع أن تبرز مخاوف جيوسياسية مهمة يجب تخطيها، حيث أشار الباحثان على سبيل المثال إلى أن المحطات القائمة في البحر يجب أن تمتد على مساحة تقدر بثلاثة ملايين كيلومتر مربع، أي ما يعادل مساحة الهند تقريباً.
هنا، تبرز المشكلة الثانية - من سيمتلك المشروع ويكون مسؤولاً عنه؟
وكما قالت المفوضية الأوروبية للشؤون البحرية عام 2015: "لا تعود ملكية المحيط الأطلسي لأي منا، فهو ملكية مشتركة، ونظام بيئي واحد يربط قارة أوروبا بالأمريكتين وأفريقيا".
من جهة أخرى يمثل التمويل التحدي الرئيسي الثالث. هل ستساهم الدول بحصة من التكاليف على أساس نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لديها، أو استناداً إلى استهلاكها للطاقة، أو بناءً على معايير الأخرى؟
الطاقة للشعب؟
تستثمر العديد من الحكومات حالياً في مشاريع فردية كبيرة في مجال الطاقة المتجددة، حيث تملك الصين على سبيل المثال قدرة توليد الكهرباء باستخدام طاقة الرياح تبلغ 149 غيغاواط، وتسعى لزيادتها لتصل إلى 495 غيغاواط بحلول عام 2030، في حين يجري بناء محطة للطاقة الشمسية في دبي تهدف إلى تلبية ثلاثة أرباع احتياجات الدولة من الطاقة بحلول عام 2050.
ومع ذلك، فإن الحجة المؤيدة لمشروع شمالي الأطلسي التي يقدمها العديد من علماء البيئة هي عدم قدرة البشرية على التخفيف من حدة تغير المناخ بفعالية إلا من خلال تضافر الجهود الدولية.
وعلى الرغم من أن مثل هذه المشاريع واسعة النطاق قادرة على إحداث تحول مفيد، غير أنها عرضة للانتقاد من قبل أحزاب المعارضة وأصحاب المصالح المكتسبة المتعارضة بوصفها "فيلاً أبيض" أو ملكية عديمة القيمة باهظة التكاليف، وذلك قبل التمكن من الحكم بشكل فعال على حقيقة نجاحها أو فشلها بفترة طويلة.
ولن ترى هذه المشاريع النور إلا من خلال تخطيط دقيق وإقناع غالبية الناس في جميع الدول بأن مشاريع مماثلة تحقق نتائج أفضل من حيث خفض التكاليف والحد من الانبعاثات المسببة لتغير المناخ وتحسين صحتهم بفضل هواء أنظف وأنقى.