تقرير للقمة العالمية للحكومات يؤكد ضرورة البناء على الحلول والفرص المرتكزة على الطبيعة لتحسين حياة المجتمعات
، أطلقته مؤسسة القمة العالمية للحكومات بالشراكة مع"برايس ووترهاوس كوبرز الشرق الأوسط"، ضرورة البناء على الفرص التي توفرها الحلول القائمة على الطبيعة، والاستفادة منها من خلال دعم النظم الطبيعية لكوكب الأرض، والتي تفوق مساهمتها في الناتج المحلي العالمي مساهمة البشر، لإحداث قفزات إيجابية في البيئة والاقتصاد وتحسين حياة المجتمعات.
استعرض التقرير الذي أطلقته مؤسسة القمة ضمن أعمال مؤتمر الأمم المتحدة السنوي المعني بتغير المناخ (كوب 27) الذي يعقد في جمهورية مصر العربية، تجربة دول الخليج وأفريقيا وشرق آسيا، في التعامل مع مجموعة من الحلول مثل غابات شجر المانغروف "القرم"، والشعاب المحارية والمرجانية والمروج العشبية البحرية.
وأشار إلى أن البشرية لم تستفد بشكل كامل من مزايا النظام الإيكولوجي الذي تقدمه الطبيعة، وخاصة النظم الساحلية التي توفر مجموعة واسعة من الفوائد، كقدرة الأعشاب البحرية على امتصاص كميات من الكربون تفوق الغابات، ودور أشجار المانغروف (القرم) والشعاب المحارية والمرجانية كمصادر للغذاء والوقود وحواجز طبيعية ضد العواصف والأعاصير التي تزداد شراسة مع تغير المناخ.
وتعد الشعاب المرجانية الموائل الأكثر إنتاجية في العالم البحري، حيث تدعم أكثر من 25٪ من جميع الأنواع البحرية، كما تساهم في توفير عدد كبير من الوظائف في القطاع السياحي، وتقدر قيمة المساهمة التي تقدمها النظم الإيكولوجية للاقتصاد العالمي بضعف الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي ما بين 125 و145 ترليون دولار سنوياً، أي أن مساهمتها في دعم حياة البشر تفوق من حيث القيمة مساهمات الجهود البشرية نفسها في الاقتصاد.
وأكد محمد يوسف الشرهان نائب مدير مؤسسة القمة العالمية للحكومات، أن القمة العالمية للحكومات تمثل منصة للمعرفة الحكومية، والشراكات الهادفة مع المؤسسات البحثية التي تسهم في تعزيز الاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة في تشكيل فرص مستقبلية لدول المنطقة والعالم، تنعكس إيجاباً على المجتمعات وتعزز جهود تحقيق الاستدامة.
وقال إن تقرير "آفاق التغيير" يأتي ضمن جهود مؤسسة القمة العالمية للحكومات لتمكين الحكومات من استشراف التحديات التي تواجهها وتصميم الحلول الاستباقية لها، بما يسهم في تعزيز جاهزيتها للمستقبل، ودعم جهودها في صياغة استراتيجيات فعّالة للتكيّف مع تداعيات التغير المناخي والتخفيف من آثاره، ووضع منظومة الفرص المستقبلية التي يمكن الاستفادة منها في تعزيز مبادرات حماية الطبيعة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة العالمية وتحسين حياة الأفراد.
من جهته، أكد أندرو ثيرلي مدير الاقتصاد والاستدامة في شركة "برايس ووترهاوس كوبرز الشرق الأوسط"، أهمية التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والعمل معاً لتطبيق الانتعاش الأخضر، مشيراً إلى دور الحلول في معالجة المشكلة الاقتصادية والاجتماعية في الأجل القصير وأن تدفع النمو الاقتصادي والإنساني والبيئي في الأجل المتوسط لبناء أساس مستدام لمواجهة الأزمات العالمية في المستقبل.
وأشار ثيرلي إلى أن العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة تحتل صدارة على جداول أعمال القطاعين الحكومي والخاص على نحو متزايد، كما أن استمرار نموها كقوة للتغيير الإيجابي والدائم سنشهد طلباً متزايداً على مبادرات الحلول القائمة على الطبيعة من صانعي السياسات وأسواق رأس المال.
وتطرق التقرير إلى تقديرات الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية بأن الحلول القائمة على الطبيعية قد توفر ما يصل إلى 37٪ من احتياجاتنا للحد من الكربون، فالنظم الإيكولوجية الساحلية مثل مروج الأعشاب البحرية والمستنقعات المالحة وغابات القرم أكثر فعالية في امتصاص الكربون من الغابات الاستوائية المطيرة، وهي تغطي أقل من 2٪ من مناطق المحيطات لكنها تمتص 50٪ من إجمالي الكربون.
وحسب الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية فإن استعادة غابات القرم يمكن أن تقلل من الفيضانات السنوية لأكثر من 18 مليون شخص على مستوى العالم، وأن تتجنب خسائر اقتصادية بقيمة 57 مليار دولار في الصين والهند والمكسيك والولايات المتحدة وفيتنام كل عام.
ودعا التقرير إلى تعزيز الوعي بمفهوم "رأس المال الطبيعي"، مشيرا إلى العديد من الدراسات التي حسبت قيمة رأس المال الطبيعي من الناحية المالية، ومنها على سبيل المثال دراسة تناولت دور أشجار الشوارع في كاليفورنيا في توفير مليار دولار سنوياً في خدمات النظام الإيكولوجي، من خلال تنظيم الغلاف الجوي والوقاية من الفيضانات، وتوفير غابات القرم في المكسيك 70 مليار دولار سنويا للاقتصاد من خلال الحماية من العواصف ودعم مصائد الأسماك والسياحة البيئية.
وبلغت تقديرات القيمة الإجمالية لخدمات النظم الإيكولوجية في العالم ضعف الناتج المحلي الإجمالي العالمي ما يتراوح بين 125-145 تريليون دولار سنويا، وتعتمد نحو 1.2 مليار وظيفة في قطاعات مثل الزراعة ومصايد الأسماك والغابات والسياحة على الإدارة الفعالة للنظم الإيكولوجية الصحية واستدامتها.
وحذر التقرير من الخطأ المتمثل في عدم إعطاء الأنظمة المحاسبية المالية التي تطبقها الحكومات قيمة نقدية للخدمات التي تقدمها الطبيعة، ما يؤدي إلى تجاهل مساهمتها الاقتصادية النوعية ويسمح بتعرض الموائل الطبيعية للاستغلال المفرط والتدهور، وأوضح أن العالم فقد 85٪ من موائل الشعاب المرجانية الخاصة بالمحار في القرن الماضي ونصف غابات القرم في الأعوام الخمسين الماضية. فيما تواجه الشعاب المرجانية خطر الانقراض في غضون العقود القليلة المقبلة، ويفقد كوكبنا 7٪ من غطاء الأعشاب البحرية سنويا.
ويؤدي فقدان هذه الموائل الطبيعية إلى تعريض التنوع البيولوجي للخطر، وتسريع تغير المناخ، وتدمير سبل العيش، ولذلك فإن حماية النظم الإيكولوجية الساحلية وتجديدها يكتسي أهمية حيوية.
وركز التقرير على فوائد تجديد سواحل أفريقيا وشرق آسيا ومجلس التعاون الخليجي، وهي مناطق لديها مساحات ساحلية كبيرة وغنية ولكنها عرضة لآثار تغير المناخ، ورأى أن لدى الحكومات فرصة غير مسبوقة لزيادة الاعتماد على الحلول القائمة على الطبيعة ضمن معاييرها الوطنية للنهوض بالاقتصاد ومعالجة التحديات المناخية والبيئية والاقتصادية المتداخلة، ما يصب أيضاً في إطار وفاء تلك الدول بالتزاماتها الدولية لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة واتفاقية باريس للمناخ.
وتطرق التقرير إلى "غابات المانغروف" التي تعد من بين النظم الإيكولوجية الأكثر إنتاجية على وجه الأرض فهي مصدر غني للتنوع البيولوجي والغذاء والأخشاب والأنشطة الاقتصادية، ولديها قدرة كبيرة على امتصاص الكربون تفوق ثلاثة إلى أربعة أضعاف الغابات الاستوائية، ويقدّر التقرير أن قيمة خدمات النظم الإيكولوجية التي توفرها غابات المانغروف تبلغ 2.7 تريليون دولار كل عام، وتمتص انبعاثات الكربون لحوالي 50 مليون سيارة وتحمي أكثر من 18 مليون شخص من خطر الفيضانات.
وتطرق التقرير إلى تجربة منطقة دول مجلس التعاون الخليجي في تعزيز الشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص، وتوظيف تكنولوجيا الطائرات بدون طيار لاستعادة أشجار المانغروف "القرم" الموجودة في المناطق الساحلية للخليج العربي والبحر الأحمر، وخاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
كما تناول التقرير تجربة استخدام قشور المحار المعاد تدويرها لاستعادة الشعاب المرجانية بتكلفة متدنية، مستلهما تجربة خليج تشيسابيك في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تم إنجازها بالشراكة بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وتحديدا المطاعم، التي ساهمت بتقديم عدد كبير من قشور المحار بينما شارك أصحاب المنازل على الواجهة البحرية في التطوع لزراعة المحار على أرصفتهم.
وتناول التقرير تأثير مروج الأعشاب البحرية على البيئة، خاصة لناحية قدرتها على امتصاص الكربون بسرعة تصل إلى 40 مرة أسرع من الغابات الأرضية، علاوة على دعمها لمصائد الأسماك والتنوع البيولوجي، وتخفف الأمواج وتتحكم في التآكل، وتعيد تدوير المغذيات، وتقلل من انتشار مسببات الأمراض.
واستعرض المشروع الذي ينفذه صندوق محمد بن زايد للمحافظة على الكائنات الحية في سبيل دعم أبقار البحر المحمية وموائل الأعشاب البحرية المرتبطة بها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ما يعتبر مثالا على الدور المهم الذي تلعبه دولة الإمارات في تسهيل التمويل وتنفيذ الشراكات الدولية للحفاظ على الأعشاب البحرية.
وأشار التقرير إلى وجود فرصة غير مسبوقة للحكومات في شرق آسيا وأفريقيا ودول مجلس التعاون الخليجي لتبني المعايير الوطنية للاقتصاد كجزء من الجهود المبذولة لإعادة بناء الاقتصادات ومعالجة الأزمات المناخية والبيئية والاقتصادية المتداخلة، وحث الحكومات على إيلاء الحلول القائمة على الطبيعية المزيد من الاهتمام ودمجها في تخطيط التنمية الوطنية لجميع الإدارات الحكومية.
جدير بالذكر، أن القمة العالمية للحكومات تشكل منصة جامعة تهدف إلى استشراف مستقبل العمل الحكومي حول العالم ودعم برامج عمل حكومات المستقبل مع التركيز على تسخير التقنية والابتكار لمواجهة التحديات الراهنة، كما تُعد منذ انطلاقتها عام 2013 ميدانا عالميا لتبادل المعرفة بين الحكومات، تجسيدا لرؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، وتسعى من خلال التقارير المعرفية إلى تعزيز الحوار الدولي حول أبرز التوجهات العالمية في القطاعات الحيوية التي تسهم في تعزيز الخطط خلال العقد المقبل، ووضع سياسات واستراتيجيات وخطط مستقبلية تعزز جاهزية الحكومات ومرونتها للمرحلة التالية من التطور.
- مل -