القمة العالمية للحكومات: تطوير المنظومة التشريعية والاقتصادية يعزز جذب الاستثمارات الأجنبية لدول المنطقة
جاء ذلك، بمناسبة إطلاق القمة العالمية للحكومات تقريراً جديداً بعنوان "تقليص المخاطر في بيئة الاستثمار.. سياسات عالية المردود لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى منطقة الخليج العربي"، الذي تم إعداده بالتعاون مع شركة "أوليفر وايمان" العالمية للاستشارات، ضمن سلسلة تقارير جديدة تستشرف مستقبل العمل الحكومي العالمي، وتهدف لتحديد الأولويات ومتطلبات مرحلة ما بعد جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، ووضع آليات ومنهجيات عمل جديدة ترتكز على أحدث الابتكارات وأفضل الممارسات والحلول الذكية لتمكين الجيل القادم من الحكومات.
ويتناول تقرير "تقليص المخاطر في بيئة الاستثمار" تأثير الانخفاض الكبير للاستثمارات الأجنبية المباشرة عالمياً بنسبة 42% خلال عام 2020، بسبب تداعيات جائحة كورونا خصوصاً في الدول المتقدمة، وتركيز دول الخليج على الاستثمار في الابتكار ورأس المال البشري وتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر لأهميته وقدرته على إحداث آثار اقتصادية مضاعفة وضرورة الاستعداد لمختلف السيناريوهات والتحديات، كما أشار إلى التجارب الناجحة في الإمارات والسعودية لجذب الاستثمارات وضرورة تعزيز الحوافز المالية لجذب الاستثمارات الأجنبية وضمان استمرار الطلب على المنتجات والخدمات ودعم تطوير سياسات تشريعية أكثر مرونة وتعزيز مستويات العلاقات التجارية الدولية، والتعاون مع صناديق الثروة السيادية لبناء اقتصادات أكثر قوة واستدامة.
وقال عمر سلطان العلماء: "إن سلسلة التقارير المستقبلية التي تصدرها القمة العالمية للحكومات بالتعاون مع شركائها المعرفيين، تعكس سعي القمة لتعزيز المعرفة الحكومية بأبرز التوجهات والتحولات العالمية، ودعم الحكومات في مواءمة خططها المستقبلية، ورسم ملامح مستقبل القطاعات الرئيسية، وتعزيز مستويات الجاهزية".
من جهته أشاد بيدرو أوليفيرا الشريك الإداري في "أوليفر وايمان" بمنطقة الهند والشرق الأوسط وأفريقيا بالشراكة بين القمة العالمية للحكومات وشركة "أوليفر وايمان"، وقال: "تمثل القمة العالمية للحكومات منصة دولية لإطلاق المبادرات المستقبلية القابلة للتنفيذ عندما نخرج جميعاً من الجائحة العالمية والتي نجم عنها العديد من التحديات خلال الفترة الماضية."
وأضاف: نهدف من خلال شراكتنا مع القمة العالمية للحكومات إلى تسليط الضوء على الاستثمار الأجنبي المباشر في دول مجلس التعاون الخليجي وأهميته في دعم التعافي الإقليمي والعالمي من خلال مشاركة خبراتنا وريادتنا الفكرية".
ويسلط التقريرالضوء على تأثير الانخفاض الكبير للاستثمارات الأجنبية المباشرة عالمياً بنسبة 42% في 2020 ليصل إلى نحو 859 مليار دولار، بعد أن كان 1.5 تريليون دولار عام 2019، ويرجع ذلك إلى حالة عدم اليقين الناجمة عن جائحة كورونا، وهو أدنى مستوى سجله الاستثمار الأجنبي المباشر منذ تسعينيات القرن الماضي، كما أنه أقل بـ 30% من مستوى الاستثمارات الأجنبية المباشرة عام 2009 عقب الأزمة المالية العالمية.
وتركَّز الانخفاض في الدول المتقدمة مع تراجع التدفقات بنسبة 69%، لتصل إلى 229 مليار دولار تقريباً، فيما انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى أمريكا الشمالية بنسبة 46% لتصل إلى 166 مليار دولار، مع انخفاض عمليات الدمج والاستحواذ عبر الحدود بنسبة 43%. كما تراجعت المشاريع الاستثمارية الجديدة المعلن عنها بنسبة 29%، وتراجعت صفقات تمويل المشاريع بنسبة 2%.
ورغم أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى الاقتصادات النامية انخفضت بنسبة 12%، مسجلةً نحو 616 مليار دولار، إلا أن هذه الاقتصادات استحوذت على 72% من الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي، وهي أعلى نسبة لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
ويشير التقرير إلى أن دول الخليج العربي بدأت خلال الأعوام القليلة الماضية بالنظر إلى الاستثمار الأجنبي المباشر كعنصر أساسي في سياساتها طويلة الأمد الرامية إلى التنمية والتنويع الاقتصاديين. ويرجع هذا التحول في طريقة التفكير إلى الإدراك المتزايد لقدرة الاستثمار الأجنبي المباشر على إحداث آثار اقتصادية مضاعفة وعلى الابتكار وتكوين رأس مال بشري وفكري، وهي عوامل تجعل الاستثمار الأجنبي المباشر أكثر قيمة من كونه مجرد مصدر تمويل خارجي.
وشهدت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى منطقة الخليج العربي زيادة مطردة منذ عام 2017، بنسبة 26% خلال الفترة من 2017 إلى 2019. ويعود السبب الرئيسي في الارتفاع إلى جهود دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في هذا المجال، مع تسجيل سلطنة عمان والبحرين زيادة في الاستثمار الأجنبي المباشر نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي.
وأشار التقرير إلى أنه لمواجهة حالة الغموض الراهنة، يتعين على دول منطقة الخليج العربي الاستعداد لمجموعة من السيناريوهات، ووضع سياسات قوية وذات أهداف استراتيجية محددة تسهم في تعزيز الجاذبية الهيكلية طويلة الأجل للقطاعات الاقتصادية الرئيسية للمستثمرين الأجانب.
واستعرض التقرير مجموعة من التجارب الناجحة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة مثل مركز دبي المالي العالمي، الذي عزز ريادة دبي إقليمياً وعالمياً في مجال الخدمات المالية، لتصبح ضمن أفضل 10 مدن في مؤشر المراكز المالية العالمية، وأشار إلى أن المركز نجح في تسجيل أصول تزيد قيمتها على 178 مليار دولار و820 شركة. وتطرق إلى نجاح مدينة خليفة الصناعية في أبوظبي (كيزاد) باستقطاب استثمارات تصل قيمتها إلى حوالي 20 مليار دولار.
وتناول التقرير تجربة الهيئة الملكية للجبيل وينبع في المملكة العربية السعودية في تنويع مصادر النشاط الاقتصادي في المملكة وتقليل اعتمادها على استخراج الهيدروكربونات الخام، وأشار إلى كل مدينة منهما تطورت لتصبح مركزاً صناعياً حضرياً، من خلال الاستفادة من المزايا الحالية في قطاع البتروكيماويات في التنمية الاقتصادية الأوسع، وأن الجبيل استقطبت استثمارات أجنبية مباشرة تزيد قيمتها على 30 مليار دولار، بينما استقطبت ينبع استثمارات بقيمة 8 مليارات دولار.
وأشار التقرير إلى أن جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد- 19" أثرت سلبا على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم، ليصل الانخفاض إلى رقم قياسي لم يشهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وما زال هناك الكثير من الغموض حول موعد واحتمالية تعافي الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي، وإن كانت أغلب التقديرات تشير إلى انتعاش طفيف اعتباراً من عام 2021، مع بقاء القيم المطلقة أقل بكثير مما كانت عليه في السنوات السابقة.
ورجح التقرير أن تزيد العوامل الاقتصادية العالمية من صعوبة زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر في المستقبل القريب، في ظل الصدمة المالية التي تعرضت لها العديد من الاقتصادات التي كان من الممكن أن تكون مصدراً لتدفقات واردة كبيرة.
وأوصى التقرير بتعزيز الحوافز المالية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في جميع دول المنطقة، وتشجيعها على الاستفادة من وجود معدل منخفض نسبياً للضرائب مقارنة بالكثير من دول العالم الأخرى، وضمان استمرار الطلب على بعض المنتجات أو الخدمات المحددة التي يقدمها المستثمرون عن طريق برامج المشتريات العامة للجهات الحكومية.
وأشار إلى أهمية عمل صناع القرار في القطاعات الاقتصادية على دعم تطوير سياسات تشريعية أكثر مرونة لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتعزيز مستويات العلاقات التجارية الدولية، والتعاون مع صناديق الثروة السيادية للتوفيق بين جهود جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والاستراتيجيات الاستثمارية لصناديق الثروة السيادية، فضلاً عن التأكيد على أهمية تقليل العوائق الاستثمارية، وإجراء إصلاحات تنظيمية شاملة تساعد على ضمان استدامة الاستثمارات الأجنبية، وفتح الأسواق أمام الشركات العالمية.
الجدير بالذكر، أن القمة العالمية للحكومات قد أعلنت مؤخراً عن توقيع 8 شراكات معرفية جديدة مع نخبة من أبرز الشركات الاستشارية والمؤسسات البحثية العالمية المتخصصة، لإطلاق سلسلة تقارير ودراسات علمية مبنية على رؤى استباقية لتحديد أهم التوجهات والفرص الجديدة لدعم الحكومات وتعزيز جاهزيتها للمستقبل وعالم ما بعد جائحة فيروس كورونا المستجد.
وتركز هذه التقارير على استشراف مستقبل الحكومات حول العالم، ودراسة التحولات العالمية والتحديات التي تواجه العالم، وتحديد الأولويات ومتطلبات المرحلة المقبلة، ووضع آليات ومنهجيات عمل جديدة بناء على البيانات الحديثة لتمكين الجيل القادم من الحكومات.