قياس ما هو مهم للحكومات: نحو مؤشرات عالمية للخدمات الحكومية
تخاطر الحكومات التي تتجاهل قياس مدى رضا مواطنيها عن الخدمات التي توفرها، بارتفاع مستوى عدم الرضا بين المواطنين، وحتى فقدان ثقتهم بها، الأمر الذي يتعين معه إيجاد مؤشرات ومقاييس واضحة ومحددة لتقييم الأداء الحكومي، لأن رضا الجمهور هو العامل الحاسم الحقيقي في تقييم أداء الحكومات وتوجيهها لتقديم مستويات أفضل من الخدمة.
كانت هذه هي خلاصة المناقشات التي دارت ضمن جلسة "قياس ما هو مهم للحكومات: نحو مؤشرات عالمية للخدمات الحكومية"، والتي استعرض فيها المتحدثون التحديات التي تواجهها الحكومات في الحصول على بيانات دقيقة تعكس الواقع، وتتيح للأجهزة الحكومية المعنية اتخاذ القرارات على أساسها، حيث قال شانتاينان ديفاراجان، كبير الاقتصاديين في الشرق الأوسط وشمال افريقيا في البنك الدولي، أن المعلومات وردود الفعل الشعبية يمكن أن تلعب دوراً حيوياً في تحديد مستوى الخدمات، حيث يمكن للحكومة معرفة الخدمات التي تحتاجها كل منطقة بناء على جمع بيانات سكان تلك المنطقة وآرائهم وردود أفعالهم بشأن مختلف القضايا، ما يزيد ثقة الشعوب بحكوماتها. واعتبر أن استخدام استطلاعات رأي محدودة النطاق كأداة لقياس المؤشرات قد لا يكون كافياً، لأنه لا يعطي صورة كاملة عن الواقع.
كما أكد ديفاراجان أن تحقيق معدلات نمو اقتصادي متميزة لا يعني بالضرورة وجود خدمات حكومية متميزة، وضرب مثلاً على ذلك بدولة الهند، التي سجلت تراجعاً في مستوى الخدمة المقدمة في بعض القطاعات (منها القطاع التعليمي بسبب نقص المعلمين) على الرغم مما أظهرته مؤشرات التنمية لديها من نمو اقتصادي.
وقالت د. سوزانا لونتي، رئيس وحدة المؤشرات والإحصائيات في الحوكمة العامة والإقليمية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن تدني مستوى الخدمات يؤدي إلى ارتفاع مستوى عدم رضا المواطنين عن أداء حكوماتهم، مشيرة في هذا المجال إلى نتائج استطلاع للرأي أجراه معهد جالوب، أوضح أن حوالي 40% من المواطنين في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لا يثقون في أداء حكوماتهم. وقالت أنه ينبغي على الحكومات السعي لمعرفة أسباب عدم رضا مواطنيها، وما إذا كان السبب يتعلق بتدني مستوى الخدمات، رداءة المرافق، ارتفاع الرسوم، أم هذه الأسباب مجتمعة.
وتؤكد لونتي أن المؤشرات العالمية لقياس الأداء الحكومي تعتمد في العادة على البيانات العامة التي يتم جمعها. إلا أن جمع بيانات تتسم بقدر أكبر من الشمولية، وتغطي شرائح واسعة من المجتمع يمكن أن يساعد في تحقيق مقاييس أكثر دقة في تقييم الأداء الحكومي والسياسات العامة، وهذا يقودنا مرة إلى أهمية معرفة مستوى إدراك الناس ونظرتهم للأداء والسياسات.
وقال تييري غيغر، كبير الاقتصاديين والمدير المساعد للشبكة الدولية للمقارنة المرجعية والتنافسية العالمية والمخاطر في المنتدى الاقتصادي العالمي، أنه يتعين على الحكومات في عصر الثورة الرقمية أن تتبنى طرقاً مبتكرة وغير تقليدية لمعرفة آراء المواطنين فيما تقدمه من خدمات، وذلك تماماً مثلما تفعل الشركات الخاصة لقياس رضا ومشاعر عملائها. فعلى سبيل المثال، تستخدم الشركات الخاصة مواقعها الشبكية، الهواتف النقالة وغيرها لقياس مستوى رضا العملاء عن منتجاتها وخدماتها.
وقال غيغر: "تُعَدٌ البيانات المفتوحة عاملاً شديد الأهمية في هذا السياق، إذا تم استخدامها في صنع سياسات سليمة تحقق مصالح الناس". وأكد أن عملية جمع البيانات في الدول النامية لم تتقدم بعد، ما يعد تحدياً هائلاً أمام عملية قياس الأداء الحكومي. وأكد غيغر أيضاً على صعوبة عملية تصميم مؤشرات مقنعة لقياس الأداء الحكومي في مختلف دول العالم، بسبب صعوبة مراعاة كافة المؤشرات لخصوصية الظروف السائدة في كل دولة. وقال هناك طلب كبير على المؤشرات، لكن ليست كل الحكومات قادرة على استخدامها بصورة سليمة، لذا ينبغي على المنظمات الدولية مساعدة الحكومات في هذا الشأن.