هل يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلَّ مكان القاضي في المحكمة؟
تقف زياوفا في محكمة الشعب المتوسطة الأولى في بكين، حيث تقدّم المشورة القانونية وتساعد الجمهور على فهم المصطلحات القانونيّة، إذ تعرف الإجابة عن أكثر من 40 ألف سؤال في مجال النزاعات القضائيّة وتستطيع التعامل مع 30 ألف مشكلة قانونيّة. وتجدر الإشارة إلى أن زياوفا هي روبوت.
تملك الصين أكثر من 100 روبوت موزع في المحاكم في جميع أنحاء البلاد، في ظلّ سعيها الحثيث للتحول إلى القضاء الذكيّ. بإمكان هذه الروبوتات أن تسترجع بيانات القضايا والأحكام الماضية، لتُساهم بذلك في الحد من الأعباء على الموظفين. حتّى أنّ بعض هذه الروبوتات متخصصة في القانون التجاري أو النزاعات المرتبطة بالعمل على سبيل المثال.
وتلجأ المحاكم الصينيّة إلى الذكاء الاصطناعي أيضاً للتدقيق في الرسائل الخاصّة أو التعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي يُمكن استخدامها كدليل في المحكمة. كما تُفيد التقارير بأنّ شرطة المرور تلجأ إلى تقنية التعرف على الوجه من أجل تحديد مرتكبي الجرائم وإدانتهم.
إلّا أنّ هذه الاستخدامات القانونيّة للذكاء الاصطناعي ليست سوى البداية لما سيكون مُمكناً في المستقبل.
مُساعدون للقضاة
تتمتّع الصين بنظام قانون مدني يستخدم السوابق القضائية من أجل تحديد نتيجة المحاكمات. ووفقاً لشركة "نورتون روز فولبرايت" القانونية، فليس مستغرباً توجه النظام القضائي إلى الذكاء الاصطناعي مع وجود 120 ألف قاضٍ فقط للتعامل مع 19 مليون قضيّة في العام.
وطلبت محكمة الشعب العليا من المحاكم المحليّة أن تستفيد من البيانات الضخمة، والحوسبة السحابية، والشبكات العصبية الاصطناعية، وتعلّم الآلة؛ إذ تهدف محكمة الشعب العليا إلى بناء أنظمة قضائيّة متوافقة مع التكنولوجيا، واستطلاع إمكانية استخدام البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي لمساعدة القضاة والمتنازعين على حلّ القضايا.
ويعمل تطبيقٌ يُدعى "إنتيليجنت ترايل 1.0" بالفعل على خفض أعباء عمل القضاة من خلال المساعدة على التدقيق عبر المواد وإعداد نسخ إلكترونيّة عن الملفات القضائيّة ومواد القضايا. لكن ما زال التركيز مُنصباً على مساعدة القضاة والوكلاء والمحامين بدلاً من الحلول مكانهم.
وقال تشو كيانج، رئيس محكمة الشعب العليا الذي يؤيد اعتماد الأنظمة الذكيّة، في هذا السياق: "من شأن تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال القضائي أن يزود القضاة بموارد مذهلة، إلّا أنّه غير قادرٍ على الحلول مكان ’خبرة‘ القضاة".
القضاء على التحيّز؟
تشير الإنجازات الحديثة في مجال الذكاء الاصطناعي إلى أنّه بإمكان هذه التكنولوجيا أن تقوم بأكثر من مجرد التدقيق عبر كميّات كبيرة من البيانات؛ فهي قادرةٌ على تطوير مهارات إدراكيّة، والتعلّم من أحداثٍ وقضايا سابقة.
ويُفضي ذلك من دون شكّ إلى أسئلة عما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيتمكن في يوم من الأيام من اتّخاذ قرارات أفضل من قرارات البشر. فالقرارات البشرية كافة تعتبر عرُضةً للتحيّز، كما تعاني الأنظمة القضائيّة من التحيّز اللاشعوري على الرغم من حُسن النوايا.
ومن شأن الخوارزميات القادرة على تجاهل العوامل التي لا تؤثر قانونيّاً بالقضايا الفرديّة، كالجنس والعرق على سبيل المثال، أن تساعد على إزالة بعض من مواطن الضعف هذه.
وتعدّ إمكانية الإفراج بكفالة ومدة الحبس الواجب الحكم بها من أهمّ الاعتبارات بالنسبة إلى القضاة؛ وعادةّ ما يعتبر احتمال العودة إلى الإجرام أحد العوامل التي تُملي اتخاذ مثل هذه القرارات. وأصبح بإمكان الخوارزميات حالياً اتّخاذ قرارات مماثلة من خلال تقديم تحليل للمخاطر قائم على الدلائل، بدلا من الاعتماد على اتّخاذ القرارات الشخصية من قبل القضاة.
وعلى الرغم من هذه المزايا الواضحة، فمال زال من غير الواضح من سيؤدي الدور الإشرافي على الذكاء الاصطناعي للتأكّد من خلو القرارات من العيوب. ويحذّر المراقبون الأكثر حيطةً من أنّ أنظمة الذكاء الاصطناعي قد تتعلّم وتقلّد التحيّز من الإنسان الذي ابتكرها أو من البيانات التي يتم تدريبها عليها.
خلق الروابط
بإمكان الذكاء الاصطناعي أيضاً أن يُسهم في حلّ الجرائم قبل فترة طويلة من تدخل القاضي، إذ يقوم نظام "فالكري" على سبيل المثال، بتنفيذ الجوانب التي تتطلب الكثير من العمل من المحلّل الجنائي، وذلك عبر البحث في الرسائل وتقارير المختبر ومستندات الشرطة، لتسليط الضوء على النواحي التي تستحقّ المزيد من التحقيق وعلى الروابط المحتملة التي قد يُغفلها الإنسان.
هذا وبإمكان أنظمة الذكاء الاصطناعي أيضاً أن تساعد في الكشف عن الجرائم قبل حدوثها. وصرّح مينغ جيانتشو، الرئيس السابق للعلاقات القانونيّة والسياسيّة في الحزب الشيوعي الصيني، أنّ الحكومة الصينيّة ستبدأ في استخدام تعلّم الآلة وإعداد نماذج للبيانات بغية توقّع مكان حدوث الجرائم والاضطرابات.
وقال السيّد مينغ: "باستطاعة الذكاء الاصطناعي إنجاز المهام بدقة وسرعة ليس لهما مثيل لدى الإنسان، كما سيؤدي إلى تحسنٍ ملحوظ في قدرة الإدارة الاجتماعية على التنبؤ وعلى دقتها وفعاليتها".
تحديد السوابق
ما زال من غير المؤكد أيّ من هذه التقنيّات قد تنتشر على نطاق واسع، وكيف ستقوم الحكومات والهيئات القضائيّة المختلفة باختيار أساليب مراقبة استخدامها. فلا يزال اليوم الذي ستتحول فيه التكنولوجيا إلى قاضٍ يحدد السلوك الإنساني الجيّد والسيّء ويقرر العقوبات المناسبة بعيداً في المستقبل.
ومع ذلك، غالباً ما تقدّم الأنظمة القضائيّة نماذج مثاليّة عن الخدمات التي يُمكن تحسينها، في حين يرجح أن تستفيد جلسات المحاكمات من تحليل أفضل للبيانات.
وغالباً ما يتطلّب القانون محاكمةً ليحدد سابِقَة – لذلك يتوجب الحذر من الحالة الاختباريّة لنظام الذكاء الاصطناعي كقاضٍ.