هذا التطبيق يقدّم علاجاً رقمياً لمكافحة الاكتئاب
يقول البروفيسور ساكي سانتوريلي، المدير السابق لمركز الوعي التام في جامعة ماساتشوستس، بأن المشكلة الأكبر في إدماننا على الأجهزة الذكية تكمن في عدم قدرتنا على تفادي استخدامها. لكن كلما ازداد الوقت الذي نمضيه على الإنترنت، انخفضت قدرتنا على الانتباه والتواصل مع الآخرين وتذكر الأشياء.
وأشار سانتوريلي خلال القمة العالمية للحكومات 2018 التي عُقدت في دبي بأن العصر الرقمي يطرح ثلاثة تحديات كبيرة أمام البشرية: عدم الانتباه وانقطاع التواصل والنسيان.
ويتوافق رأيه مع آراء الآخرين الذين يعتبرون أن قضاء الكثير من الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي أو ألعاب الكمبيوتر تتلف أدمغتنا.
من جهته، قال البروفيسور جيفري ساكس، مدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا خلال القمة: "تشير الأدلة المبدئية إلى أن الاستخدام المستمر لوسائل التواصل الاجتماعي يدفعنا إلى الجنون نوعاً ما... إذ يعاني الشباب الذين يمضون ساعات طويلة على الإنترنت من الاكتئاب والمزيد من الأعباء النفسية".
لكن على الرغم من أن مخاطر انقطاع التواصل قد تكون حقيقية، إلا أنه يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أيضاً إيجاد طريقة لحلّ بعض المشاكل التي تُتهم بإحداثها بين الفئات التي يصعب الوصول إليها.
تدريب للدماغ
يعتبر تطبيق "هابيفاي" أحد الأمثلة على قدرة الألعاب والنشاطات الرقمية على المساعدة في الحدّ من التوتر والقلق. ويوجد نحو 3.5 مليون مستخدم لهذا التطبيق الذي يزعم بأنه يساعد الأشخاص الذين يعانون من انفصام الشخصية والاكتئاب السريري والأمراض المزمنة.
يستخدم "هابيفاي" المرونة العصبية، وهي النظرية التي تفيد بأنه يمكن للمرء تغيير الدماغ وتعديله بتدريبه كعضلة. ويساعد التطبيق مستخدميه في التغلب على أنماط التفكير السلبية وتعلم التأقلم مع الضغوط اليومية من خلال اعتماد عادات تفكير جديدة.
كما يقدم التطبيق لمستخدميه بعض الألعاب البسيطة أو التمارين الدماغية كل يوم، مثل الاستماع إلى قائمة أشياء تشعرنا بالامتنان أو الاستمتاع بالتجارب اليومية أو العطف على الآخرين.
وتقول أكاسيا باركس، كبيرة علماء "هابيفاي" والبروفيسورة المساعدة لعلم النفس في كلية هيرام بالولايات المتحدة، إنه يمكن لهذه التمارين أن تقود الأشخاص في النهاية إلى أنماط تفكير أكثر إيجابية".
ويمكن تخصيص هذه التمارين وتوجيهها نحو أهداف معينة، مثل التواصل أكثر مع الأطفال أو زيادة الثقة في مكان العمل.
تجاوز الوصمة
لكن تطبيقات وبرامج التفكير الإيجابي تواجه بعض التحديات الكبيرة، أولها كيفية جذب الانتباه، نظراً لإغراء التحول إلى أدوات لهو رقمية أخرى مثل "نتفليكس" و"فيسبوك".
بالإضافة إلى ذلك، لا يزال الكثيرون غير مطمئنين لفكرة اللجوء إلى هاتف جوال أو لوح إلكتروني لمواجهة الاكتئاب أو القلق.
ويضيف "هابيفاي" شبكة اجتماعية إلى المعادلة، موفراً منتدى للأشخاص لمشاركة نجاحاتهم وتحفيز بعضهم البعض.
لكن على الرغم من أن اللائمة تلقى على شبكات التواصل الاجتماعي بشأن انهيار العلاقات الهادفة، إلا أنها قد تكون مفيدة أيضاً في تخطي المحظورات.
يشكل نجاح حملة "#أنا أيضاً" ("مي تو") على سبيل المثال، التي دفعت الأشخاص إلى الإفصاح عن الوقائع الأليمة التي أخفوها لسنوات عديدة، مثالاً على ذلك.
وعلى غرار ذلك، قد تساعد المنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت في تبديد الوصمة المحيطة بمشكلات الصحة النفسية، وتوفر مكاناً آمناً ليروي الأشخاص فيه عن تجاربهم. وبالفعل، وإلى جانب تناول مضادات الاكتئاب، يعدّ ما يُسمّى "العلاج بالتحدث" أحد العلاجات الأساسية لمعالجة الاكتئاب.
إزالة اللمسة الإنسانية
لكن البروفيسور باركس يتوجه إلى أولئك الذين يخشون التحدث عن مشكلاتهم مع الآخرين، قائلا إن التحدث إلى أشخاص حقيقيين ليس ضرورياً.
ويوضح باركس: "يمكننا استبعاد الخاصية الإنسانية، ليس عليكم التحدث إلى شخص فعلياً. هناك عدد كبير من البحوث يشير إلى أن ذلك يخفض الفاعلية إلى أقل مما تتوقعون".
وتحظى فكرة أن البشر لا يشكلون جزءاً ضرورياً من العلاج بدعم هيئات علمية من بينها المعهد الوطني للتميز للصحة والرعاية في المملكة المتحدة، الذي يوفر إرشادا وتوجيها بخصوص تحسين العناية الصحية.
وقد وافق المعهد بالفعل على استخدام العلاج السلوكي المعرفي عبر شبكة الإنترنت، وهو أسلوب راسخ للعلاج بالتحدث، إذ أن العلماء يعترفون بأن مصارحة آلة بخفايا النفس أسهل على الأفراد من مصارحة شخص ما.
وقد يكون العلاج الفعال طويل الأمد للأمراض النفسية مكلفاً ويهدر الوقت بما أنه يتطلب تدخل معالجين كفؤين. وبما أن مجتمعاتنا تكبر، فإن تكاليف جودة الحياة والصحة تواصل ارتفاعها مما يزيد من الصعوبة التي يواجهها الجميع لتلقي هذه الرعاية الفردية الخاصة.
ولعل الوقت قد حان إذاً لتنظر الحكومات وصانعو السياسات فيما إذا كان بإمكان الأدوات الرقمية المساعدة في معالجة المشكلات النفسية. وكما يشير الكاتب ديباك شوبرا، لا تعدّ التكنولوجيا جيدة ولا سيئة، بل تقتصر المسألة على طريقة استخدامنا لها فحسب.