English
s

ما المثير للجدل بشأن الاستفتاءات؟

Controversial Referendum

يجب على أي شخص ينتابه الشك بشأن قوة الاستفتاء القادرة على إحداث تحولات جذرية أن ينظر فقط إلى التجربة الأوروبية الأخيرة.

 

فبعد مرور نحو عامٍ تقريباً على تصويت المملكة المتحدة على الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء شاق ومثير للجدل، كانت إسبانيا تتعامل مع تداعيات تصويت أثار نزاعا حادا.

 

في كتالونيا، أراد 92% من المشاركين في أحد الاستفتاءات أن يصبح الإقليم جمهورية مستقلة.

 

وقد جرى تصويت آخر في 1 أكتوبر 2017، رغم أن البرلمان الوطني الإسباني أعلن عدم شرعيته، بموجب قواعد مخصصة للتحايل على الضوابط والتوازنات التي تهدف إلى ضمان نتيجة عادلة.

 

تضمنت هذه القضايا تصويت السلطة التنفيذية في كتالونيا بشكل غير قانوني لقبول أكثرية بسيطة بدلاً من ثلثي المصوتين، وهي المعادلة المطلوبة عادةً لضمان إحداث تغييرات جذرية، وأثارت ضجة بشأن مدى تمثيل النتيجة للشعور الكتالوني.

 

وفي هذه الأثناء، وجد صانعو السياسات حول العالم، الذين يطمحون إلى مشاركة عامة الشعب مباشرة في صناعة القرار، أنفسهم يتساءلون عما إذا كانت الاستفتاءات هي الحلّ الأمثل لمشاكلهم.

 

الديماغوجيون والدكتاتوريون

حذّر العالمان السياسيان آرثر لوبيا وماثيو دي ماكيوينز في كتابهما الذي يحمل عنوان "المعضلة الديمقراطية"، من عدم التطابق بين حاجات ومتطلبات الديمقراطية وقدرة الأشخاص على تلبيتها.

 

واعتبرا أنه: "يمكن أن يعجز الأشخاص المدعوون لاتخاذ خيارات مدروسة عن فعل ذلك. ويمكن لهذا الجهل أن يتيح للأشخاص ’ذوي النوايا غير الحسنة‘ خداع الأشخاص البسطاء والجاهلين والتلاعب بهم".

 

ويقولان أن المصوتين يتبعون شخصيات موثوقة من السلطة، أو تندرج خياراتهم ضمن إطارٍ مألوف.

 

 ومن جهته، اعتبر لورنس لودوك من جامعة تورونتو في ورقة بحثٍ عام 2015 أنّ أحد مخاطر الاستفتاء الإضافية يكمن في أن: "ينتهي المطاف بتصويت من المفترض به تناول مسألة عامة مهمة، بتناول شعبية أو عدم شعبية حزبٍ أو قائدٍ معيّن، أو سجل أداء الحكومة، أو مجموعة من المسائل أو الأحداث غير المرتبطة بموضوع الاستفتاء".

 

وقال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق كليمنت أتلي عند وصفه كيفية استخدام هتلر وموسوليني الاستفتاءات لكسب التأييد الشعبي: تشكل الاستفتاءات "أداةً لصالح الدكتاتوريين الديماغوجيين".

 

إجابة سهلة، وسؤال صعب

يقول الخبراء إن الاستفتاءات تتم عادةً بدعوة من رجال السياسة الذين يسعون إلى الحصول على التأييد لمسارات عمل سبق وأن حسموا أمرهم بشأنها. لكن المصوتين عادةً يفكّرون بالموضوع من وجهة نظرٍ أخرى.

 

وقرر رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون إجراء استفتاء بسؤال واحد ذو خيارين، "البقاء أو خروج"، بشأن مسألة البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي، لتقرره أكثرية بسيطة. وتمّت الدعوة إلى التصويت من جهة للحفاظ على هدوء المشككين بالاتحاد الأوروبي من أفراد حزبه، والحد من شعبية حزب استقلال المملكة المتحدة اليميني من جهة أخرى.

 

وكان كاميرون نفسه واضحاً بشأن ضرورة بقاء بريطانيا في أوروبا.

 

لكن النقاشات أثناء الحملة لم تركّز بشكلٍ كبير على طبيعة العلاقة المعقدة بين بريطانيا وأوروبا أو على ما قد يحدث إن صوتت البلاد على مغادرة الاتحاد.

 

وعوضاً عن ذلك، توقف الجدال على المسائل الحساسة المتعلقة بالهجرة ومسائل أخرى كثيراً ما كان لها علاقة بسيطة أو لا علاقة مباشرةً بعضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي.

 

إبقاء الأمور بسيطة

يقول مايك بيري، المحاضر في كلية الصحافة والإعلام والدراسات الثقافية في جامعة كارديف: "دعوا المرشحين السياسيين يستخدمون استراتيجية "إبقاء الأمور بسيطة" (keep it simple, stupid) الكلاسيكية. فقد ركزوا على رسالة بسيطة وهي "استعادة التحكم بالأمور" التي كانت تُكرر في كل مناسبة. كانت الرسالة فعالة إذ كان يسهل على مجموعات اجتماعية مختلفة فهمها، بالإضافة إلى أنها تفسح المجال أمام الكثير من التفسيرات".

 

في المقابل، عجزت حملات الدعوة إلى البقاء ببساطة عن إطلاق رواية مضادة لدحض ذلك.

 

الشعب قال كلمته... لكن ماذا قال؟

تطبّق سويسرا، التي يبلغ تعداد مواطنيها 8.2 مليون نسمة، نظام الديمقراطية المباشرة، وهي إطار عمل قانوني يتيح لكل شخص تجاوز الـ18 من عمره التصويت على كيفية إدارة البلد.

 

ويُعدّ التصويت على التغييرات الدستورية إلزامياً ويجب أن يحظى بدعم أغلبية الهيئات الانتخابية وأغلبية المناطق الإدارية، التي تسمى بالكانتونات.

 

لكن حتى في سويسرا التي تعدّ بلداً يتّسم بالهدوء في العادة، برزت بعض النتائج المثيرة للجدل، بما في ذلك التحرك عام 2014 للحدّ من أعداد المهاجرين. وأعقب ذلك قانون صدر عام 2016 يضمن حرية التنقّل لمواطني الاتحاد الأوروبي، الذي كان يمكن أن تنهار الاتفاقيات التجارية من دونه.

 

من جهة أخرى اتُهمت بعض البلدان بأنها تجري استفتاءات حتى يقدم الشعب النتيجة "المطلوبة": في يونيو 1992، رفضت الدنمارك معاهدة الاتحاد الأوروبي المعروفة بمعاهدة "ماستريخت" في استفتاء أجرته لكنها بدلت رأيها بعد مرور عام عقب ضمان إجراء التغييرات، في حين أن تنصّل أيرلندا من معاهدة لشبونة في عام 2005 حظي بالموافقة في عام 2006 بعد تقديم تنازلات.

 

المزيد من الاستفتاءات؟

من غير المرجح أن تتلاشى فكرة أن الاستفتاءات تمنح السلطة للشعب.

 

لكن في الأنظمة الديمقراطية، لا يستطيع رجال السياسة التحكم بهذه النقاشات وسيجازفون دائماً بإجراء تصويت شعبي.

 

وتنطوي الاستفتاءات أيضاً على خطر يسببه عامل " الديماغوجيين والدكتاتوريين" الذين يقيمون الحملات على أساس شعارات جوفاء.

 

إلّا أن هذا لا يثبّط من عزيمة القادة. فقد قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه قد يلجأ إلى الاستفتاءات، في حين تستعد أيرلندا لإجراء تصويت على الإجهاض القانوني في عام 2018.

 

إنّ الاستفتاءات محفوفة بالمخاطر، ولكنها ستجذب دائماً رجال السياسة الذين يأملون في الحصول على ختم الموافقة بشأن قرارات سياسية يعجز معارضوهم عن مجادلتهم بها.