ما الذي يجب القيام به لحماية المحيطات؟
تعجُ محيطات العالم بآلاف -بل بملايين- الأطنان من المواد البلاستيكية، وهو تلوث يؤدي إلى تسميم الحياة البحرية، ويمنع تكاثر المخلوقات فيها. ولعل الضرر الأكبر يتمثل في الإخلال بتوازن الدورة الحيوية الطبيعية، التي يعتمد عليها كوكب الأرض ككل.
وتشير بعض التقديرات إلى أن ما لا يقلّ عن مليون طائر بحري و100 ألف من الثدييات البحرية تنفُق سنوياً بسبب ابتلاع النفايات البلاستيكية.
ويُعتقد أنّ نحو خمسة تريليونات قطعة بلاستيكية تطفو على سطح البحار في العالم، وأنّه يتمّ إلقاء نحو ثمانية ملايين طن على الأقلّ من البلاستيك في المحيطات سنوياً. وقد يستغرق التحلل الحيوي لهذه النفايات قروناً من الزمن، إذ تحتاج القارورة البلاستيكية الواحدة ما بين 450-1000 عام كي تتحلل، كما يمكنها أن تؤثر سلباً على صحة الإنسان.
يُعتبر تنظيف هذه الفوضى تحدياً عالمياً، لكن هناك وثيقة واحدة تقدّم بصيصاً من الأمل لنشطاء حماية البيئة بأنه يمكننا على الأقل الحدّ من تفاقم هذه المشكلة. فقد وقّعت نحو 200 دولة في ديسمبر 2017 على قرار للأمم المتحدة يعِدُ بوضع حدّ للنفايات البلاستيكية في المحيطات. وعلى الرغم من أنّ هذه الاتفاقية غير مُلزمة، إلاّ أنّها قد تشكل نقطة تحول في المعركة ضدّ البلاستيك في بحارنا.
الأكياس القاتلة
أشار وزير البيئة النرويجي فيدار هيلجيسن إلى أن بلاده -التي أطلقت مبادرة قرار الأمم المتحدة- شهدت الكثير من الأدلة على التلوث البلاستيكي. وقال في هذا الصدد: "وُجِدَ حوتٌ من أحد الأنواع النادرة نوعاً ما جانحاً على الشاطئ بسبب الإرهاق، مما اضطر السلطات إلى إنهاء حياته، وعُثر في أمعائه لاحقاً على 30 كيساً بلاستيكياً".
ومع ذلك، يأمل هيلجيسن بأن تُحدث هذه الاتفاقية فرقاً، وأضاف: "إن النبرة المستعملة في هذا القرار قوية للغاية... وأصبح لدينا الآن اتفاقية تتيح لنا المضي قدماً في استطلاع إمكانية إصدار صكٍّ ملزمٍ قانوناً واتخاذ تدابير أخرى، وهذا ما سيتم إنجازه على المستوى الدولي خلال الأشهر الـ18 المقبلة".
وبموجب هذه القرار الموقّع من قبل جميع الدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة، فإن البلدان ستراقب كذلك كمية المواد البلاستيكية التي تلقيها في المحيطات.
الرغبة في إحداث تغيير
قد يصل حجم المواد البلاستيكية التي يتم إلقاؤها في البحار إلى 28 مليون طناً سنوياً بحلول عام 2025، وذلك حسب الدراسة التي أجرتها شركة الاستشارات العالمية "ماكينزي"، كما من المرجح أن يكون 99 في المائة من الطيور البحرية قد ابتلعت بعض البلاستيك بحلول عام 2050.
وأشارت دراسة "ماكينزي" إلى أنّ أكثر من نصف البلاستيك الذي يسبب تلوث المحيطات مصدره خمس دول هي: الصين، وإندونيسيا، والفلبين، وفيتنام، وسريلانكا.
وتعدّ الصين أكبر منتج للنفايات البلاستيكية، إلا أنها تبذل جهوداً لخفض كمية النفايات.
من جهته، قال إريك سولهيم، رئيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة: "إنّ الصين هي الدولة الوحيدة التي تعمل على التغيير في الوقت الراهن أكثر من أي دولة أخرى. إن سرعة وتصميم الحكومة على إحداث التغيير هائلان".
كما لوحظ هذا التحول في المواقف في بلدان أخرى، إذ سبق لتايوان أن فرضت ضرائب بلاستيكية على 14 قطاع وأكثر من 90 ألف متجر، في حين تم بالفعل حظر الميكروبيدات البلاستيكية الملوِّثة والمستخدمة في مستحضرات التجميل أو سيتم حظرها قريباً في عدد من البلدان منها الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، وكوريا الجنوبية.
وفي المقابل، يرغب الاتحاد الأوروبي بأن تكون جميع العبوات البلاستيكية قابلة للتدوير أو لإعادة الاستخدام بحلول عام 2030، فيما وعد رئيس الوزراء البريطاني مؤخراً بالتخلص من النفايات البلاستيكية بالكامل بحلول عام 2043.
مشكلة خاصة
بما أنّ هذه المشكلة ليست مشكلة تنظيمية فحسب، فإن للقطاع الخاص دور حيوي يمكنه القيام به في معالجة مشكلة التلوث البلاستيكي. على سبيل المثال، تعهدت بعض الشركات الدولية الكبرى مثل "كوكا-كولا" و"يونيليفر" بتعزيز جهودها لإعادة التدوير، نتيجة تزايد الضغوط العامة والسياسية.
بالإضافة إلى ذلك، يقف الابتكار في القطاع الخاص خلف الجهود الرئيسية الرامية لتنظيف النفايات الموجودة حالياً في المحيط الهادئ. ويهدف مشروع تنظيف المحيط على سبيل المثال إلى إزالة نصف كميات البلاستيك العالقة في رقعة القمامة الهائلة في المحيط الهادئ خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
منهجية مشتركة
تتطلب معالجة هذه المشكلة التزاماً مشتركاً من الحكومات والشركات والمواطنين على حدّ سواء. فمقابل فرض الحكومات لضرائب على المواد البلاستيك وتطبيق أنظمة إعادة التدوير، ترى الشركات نفسها مضطرة إلى تطوير واستخدام بدائل رخيصة وصديقة للبيئة.
وبالتزامن مع هذه الخطوات، على المستهلك أن يدرك تماماً أنّ النفايات البلاستيكية لم تعد أمراً مقبولاً أبداً: فإعادة التدوير، وإعادة الاستعمال، وتجنب المواد البلاستيكية، أصبحت كلها متطلبات أساسية. لكننا أصبحنا جميعاً مدمنين على هذه المواد، وسيتطلب الأمر جهوداً مستمرة من الجميع للتخلص من هذه العادة السيئة.