لماذا يجب أن تبدأ السعادة من القمة؟
كان تدخل الحكومة في سعادة المواطن لأعوام طويلة محصوراً إلى حد كبير بمدى ارتباط السعادة بالثروة: فغالباً ما يُنظر إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي على أنه العامل الرئيسي الذي يحدد مستوى الرضى الشعبي.
وعلى الرغم من كون الازدهار الوطني مقياساً أساسياً في تقييم جودة حياتنا، إلا أنه ليس المقياس الوحيد، فقد أظهر تقرير السعادة العالمي لعام 2018 بأن المتوسط الجيد للعمر، والدعم الاجتماعي، والحرية، والثقة، والسخاء تعتبر أموراً مهمة أيضاً في هذا السياق. فالسعادة بحد ذاتها قد تقع على عاتق الفرد، لكن السياسات الحكومية هي التي تحدد معالم هذه العوامل المساهمة.
وعلى الرغم من أن الكثير من الدول تعتبر السعادة قضية مستقلة تتطلب معالجة خاصة، إلا أن بلداناً أخرى بدأت بالفعل تضطلع بدور ريادي في محاولة نشر السعادة بين سكانها.
السعادة في الإمارات
عينت دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2016 أول وزير للسعادة، لتطلق على إثرها معالي عهود بنت خلفان الرومي خطة عمل وطنية طموحة للسعادة. وأبلغت الوزيرة القمة العالمية للحكومات 2018 في دبي أن كل مشروع حكومي إماراتي من الآن فصاعداً سيضع ضمن أهدافه تحقيق تحسن في سعادة المواطنين وجودة حياتهم.
وتساءلت: "هل نسأل أنفسنا دائماً ما إذا كان لسياساتنا تأثير حقيقي على سعادة المجتمع وجودة حياته؟"، وأضافت: "عندما يضع أي مسؤول السعادة هدفا له، فإنه سيسهم في تحقيق سعادة آلاف الأشخاص".
السعادة العالمية
تجدر الإشارة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة ليست الوحيدة التي تحاول جعل السعادة أحد الأركان الأساسية لسياسة الحكومة. فقد استمعت قمة دبي مثلا إلى كيفية قيام إندونيسيا بتشكيل "هرم السعادة" التابع للأمم المتحدة، الذي حوّل أهداف التنمية المستدامة الــ17 التابعة للمؤسسة إلى أداة لصنع السياسات.
وتعتبر أهداف التنمية المستدامة أهدافاً عالمية تسعى للقضاء على الفقر وتحسين النتائج في مجالي التعليم والصحة وإيجاد فرص عمل أفضل ومواجهة التحديات البيئية بحلول عام 2030.
ويربط الهرم ثلاث ركائز أساسية للسعادة وهي "التناغم بين الناس" و"التناغم البيئي" و"التناغم الروحي"، بالأهداف الفردية.
نظرة فلسفية
قال معالي بامبانج برودجونيجورو، وزير تخطيط التنمية الوطنية في جمهورية إندونيسيا بأن هذه التناغمات تتماشى تماماً مع "تراي هيتا كارانا"، وهي الفلسفة التقليدية في جزيرة بالي. وتشير التناغمات إلى أنه لا يمكننا أن نكون سعداء حقاً إلا بعد أن نحقق الوحدة بين الناس، وأن يكون لدينا بعداً روحياً في حياتنا اليومية، وأن نرعى كوكبنا. كما تتناسب التناغمات بشكل كبير مع فلسفة الدولة الإندونيسية "بانكاسيلا".
وقد يكون التناغم بين الناس من أكبر التحديات التي تواجه إندونيسيا وفقاً للوزير برودجونيجورو، وذلك لأن الأرخبيل يشمل ديانات متعددة. وأوضح في هذا السياق: "علينا أن نكفل وحدة الثقافات والأديان المختلفة من أجل خلق السعادة".
وأضاف: "باعتبارها دولة تتمتع بدخل متوسط منخفض، يعتمد القدر الأكبر من الرضى في المستقبل على التنمية، كما لا يزال الفقر يشكل مشكلة كبيرة".
وأشار إلى أنه لا يمكن تحقيق السعادة إلا بتوحيد الحكومة والجمهور العام والمجتمع المدني.
لا داعي للقلق، كن سعيداً؟
على الرغم من التحديات التي تواجه كوكبنا، فإن حكومة الإمارات العربية المتحدة تهدف إلى جعل الاتحاد واحداً من الأماكن الخمسة الأكثر سعادة في العالم بحلول عام 2021.
وقالت معالي الوزيرة الرومي: "نحن لسنا مثاليين في نظرياتنا الخاصة، وندرك أن العالم يواجه أوقاتاً عصيبة، وأن التحديات تتزايد وتتسارع وتيرتها". وأوضحت أنه لهذا السبب يجب أن تظهر قيادات السعادة من الصفوف الأمامية، على الرغم من صعوبة غرس السعادة خلال مواجهتنا لتحديات الحياة في العصر الرقمي.
وأردفت قائلةً: "نحن ندرك بأن الطريق إلى تبني السعادة كنهج حكومي لم يتضح بعد، لكننا قررنا أن نبدأ الرحلة"، مضيفة: "لقد أصبح جوهر الطبيعة البشرية الآن موضع تساؤل، إذ بدأت الحدود بين العوامل الرقمية والفيزيائية والبيولوجية تختفي بفضل تطورات الثورة الصناعية الرابعة".
واختتمت: "يتوجب علينا أن نكون مدركين تماماً لتداعيات ذلك على الجنس البشري".