English
s

لماذا لا نستطيع الاعتماد على الشركات لإنقاذنا من تغير المناخ

The Conversation corporations and climate change Shutterstock 358977299

على الرغم من أن الشركات تعتبر من العوامل الرئيسية في زيادة انبعاثات غازات الدفيئة، إلا أنه يُنظر إليها أيضاً من قبل كثيرين باعتبارها عنصراً بالغ الأهمية لمواجهة تغير المناخ.

 

وتُظهر أبحاثنا كيف تتراجع مقترحات الشركات الطموحة المؤيدة للمناخ بصورة ممنهجة بفعل الانتقادات التي يوجهها المساهمون، ووسائل الإعلام، والحكومات، والشركات الأخرى، والمدراء.

 

ويكشف "نقد السوق" (Market Critique) هذا عن التعارض بين متطلبات معالجة تغير المناخ من جهة، وضرورات الأعمال الأساسية لتحقيق الربح والقيمة للمساهمين. ويعمل المدراء ضمن أطر زمنية قصيرة على نحو متزايد، ومقاييس أداء صعبة، وذلك بسبب التقارير الفصلية ونصف السنوية، وتقلّص فترة ولاية المسؤولين التنفيذيين.

 

وتضمنت أبحاثنا تحليلاً مفصلاً لخمس شركات أسترالية رئيسية على مدى عشرة أعوام خلال الفترة ما بين عامي 2005-2015. وأصبح تغير المناخ خلال هذه المدة مسألة محورية في الجدل السياسي والاقتصادي القائم، ما أدى إلى ظهور مجموعة من المخاطر والفرص للأعمال التجارية.

 

وكانت كل من الشركات التي قمنا بدراستها تضطلع بدور رائد في هذا السياق، وعلى الرغم من العمل في قطاعات مختلفة (القطاع المصرفي، والإعلامي، والتأمين، والتصنيع، والطاقة)، إلا أننا وجدنا نمطاً مشتركاً تمثل في تطور البيانات الأولية حول صدارة مجال المناخ مع مرور الوقت لتصبح مجرد مخاوف تجارية عادية.

 

وأظهرت دراستنا ثلاث مراحل لهذا التحول.

 

  1. تغير المناخ كفرصة تجارية

     

    طرح المسؤولون التنفيذيون في هذه المرحلة الأولى، معالجة تغير المناخ كقرار استراتيجي متعلق بالأعمال التجارية.

     

    ويلخص رائد الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون هذا الأمر بقوله أن "الأمل الوحيد أمامنا لإيقاف تغير المناخ يتمثل في تمكّن القطاع من جني الأموال منه".

     

    وربط المدراء في دراستنا تغير المناخ بعبارات مثل "الابتكار" و"الفرصة" و"الصداره" و"النتائج المفيدة لكل الأطراف"؛ كما استبعدوا في الوقت نفسه العبارات التي تنطوي على معاني أكثر سلبية أو تهديد مثل "اللوائح" أو "التضحية".

     

    على سبيل المثال، أوضح مدير الاستدامة العالمي لأحد أكبر التكتلات الصناعية في العالم سبب تبني شركته قضية تغير المناخ، بالقول: "إننا نُلغي ذلك الخيار الزائف ما بين الاقتصاديات الجيدة والبيئة، إذ نبحث عن منتجات سيكون لها تأثير إيجابي وقوي على البيئة والاقتصاد".

     

  2. إضفاء الطابع المحلي على المشاركة بشأن المناخ

     

    تعتبر بيانات النوايا هذه عرضة للنقد من قبل العملاء والموظفين ووسائل الإعلام والمنافسين، وخاصة فيما يتعلق بجوهر وأهمية الإجراءات المتعلقة بالمناخ التي تقوم بها الشركات.

     

    وبالتالي، سعى المدراء في المرحلة الثانية إلى جعل مقترحاتهم أكثر وضوحاً من خلال ممارسات كفؤة بيئياً (مثل الحد من استهلاك الطاقة، وتحديث أنظمة الإضاءة، واستخدام الطاقة المتجددة)، والمنتجات والخدمات "الخضراء"، والحثّ على ضرورة اتخاذ إجراءات للتصدي لتغير المناخ.

     

    وتجدر الإشارة إلى أنه غالباً ما يتم رفد هذه التدابير بتلك الخاصة بالشركات والقادرة على تقديم "حالة أعمال" عن الإجراءات المتعلقة بالمناخ (على سبيل المثال: الوفورات الناتجة عن خفض استهلاك الطاقة، أو زيادة مستويات رضا ومشاركة الموظفين، أو تحسين أرقام المبيعات من المنتجات والخدمات الخضراء).

     

    والأهم من ذلك، فقد سعت الشركات أيضا إلى تعريف الموظفين بفوائد هذه التدابير من خلال مبادرات تغيير ثقافة المؤسسات، وإلى تعريف العملاء والمنظمات غير الحكومية والأحزاب السياسية بذلك.

     

    ووفقاً للمدير البيئي في شركة إعلامية عالمية قمنا بدراستها، فقد كان لهذه الممارسات أهمية أساسية بالنسبة لخلق ثقافة مراعية للمناخ في مؤسسته، وقال في هذا السياق: "إن هذا الإجراء يلهم الآخرين ويساعد على إنجاز الأمور. إنه أداة رائعة، ويجسد الطريقة التي يحصل من خلالها التغير السلوكي داخل المؤسسات".

  3. التطبيع و"الأعمال المستمرة كالعادة" (business as usual)

 

جذبت المبادرات المناخية بمرور الوقت موجة انتقادات جديدة من قبل مجموعات شركات أخرى، ومساهمين، ووسائل إعلام، وسياسيين.

 

فعلى سبيل المثال، أجبر الجدل السياسي المحتدم بشأن تسعير الكربون الكثير من الشركات على إعادة التفكير بموقفها العلني بخصوص تغير المناخ.

 

وأوضح مسؤول إداري رفيع المستوى في أحد المصارف الرئيسية في البلاد قائلاً: "يتمثل التحدي الرئيسي في المرحلة الراهنة في كيفية تعاملنا مع الحساسيات داخل المؤسسة بشأن ما يمكن اعتباره موقفاً حزبياً في مناخ سياسي إلى درجة عالية".

 

ولذا، وجدنا في المرحلة الثالثة أن مبادرات تغير المناخ تراجعت وتم منح الأولوية لمخاوف السوق.

 

وجرى في هذه المرحلة كسر حلقة الحل التوفيقي المؤقت بين الخطابات السوقية والاجتماعية/الخطابات البيئية، وسعى المسؤولون التنفيذيون إلى إعادة تنظيم المبادرات المناخية بهدف تعظيم القيمة بالنسبة للمساهمين.

 

ومن أمثلة ذلك ترقية رؤساء تنفيذيين جدد دعوا إلى استراتيجيات "العودة إلى الأساسيات"، ووفي ذات الوقت تخفيف حدة مبادرات تغير المناخ وتحويلها إلى برامج "استدامة" و"مرونة" أوسع نطاقاً وأقل تحديداً.

 

وشملت دراستنا شركة تأمين كبيرة، والتي على الرغم من حماسها ونهجها التقدمي في البداية فيما يتعلق بالحاجة لاتخاذ إجراءات متعلقة بتغير المناخ، إلا أن هذا الأمر تغير بعد تراجع وضعها المالي وتغير فريقها القيادي.

 

وأوضح أحد كبار المسؤولين الإداريين قائلاً: "كان كل ذلك أمراً جميلاً في أوقات اليسر، ولكننا نمر الآن بأوقات صعبة، ولذلك فإننا نعود إلى الأمور الأساسية".

 

ما هي الخطوة التالية؟

 

تُظهر هذه الدراسات بالإضافة إلى أبحاثنا السابقة، لماذا تعتبر الشركات بصورة خاصة غير ملائمة لمواجهة تحدي مثل تغير المناخ.

 

تعمل الشرکات وفق أهداف قصیرة الأجل لتعظیم الأرباح وعائدات المساهمين، ولكن تجنب تغير المناخ الخطير يتطلب منا إزالة الكربون بشكل جذري من مجالات الطاقة والنقل والتصنيع على نطاق لم يسبق له مثيل في التاريخ، وربما يتعارض مع النمو الاقتصادي.

 

ويعني هذا الأمر تجاوز الافتراضات المريحة للتنظيم الداخلي الذاتي للشركات و"حلول السوق"، وأن يتم عوضاً عن ذلك قبول القيود التنظيمية على انبعاثات الكربون واستخراج الوقود الأحفوري.

 

كما يتطلب هذا الأمر إعادة النظر في الغرض من الشركة وهيمنة قيمة المساهمين على المدى القصير كمعايير بارزة في تقييم أداء الأعمال. وفي هذا الإطار، تقدم النماذج البديلة لحوكمة الشركات، مثل المؤسسات المعتمدة من قبل مختبر "بي"، مسارات تعترف بشكل أفضل بالمخاوف البيئية والاجتماعية.

 

وفي ظل عصر لا تزال فيه الليبرالية الجديدة تسيطر على الأفق السياسي حول العالم، فإن أبحاثنا تُظهر مدى سذاجة الاعتماد على الشركات والأسواق لمعالجة مسألة تغيّر المناخ.