English
s

كيف يمكننا ضمان استخدام التكنولوجيا الحيوية لمصلحة البشرية؟

MedicalImage

نعيش في عصر تتسارع فيه التطورات العلمية بشكل مذهل، حيث يُمكننا الآن، على سبيل المثال، تعديل الكائنات الحيّة لخدمة أغراضنا الخاصة. كما يمكن للتكنولوجيا الحيوية أن تعدّل الحمض النووي لتفتح بذلك الباب أمام احتمالات كبيرة تصل إلى حد تغيير الأمراض أو إنهاء المجاعات.

 

إلا أن التكنولوجيا الحيوية قد تحمل أخطارا كبيرة كذلك، إذ ما تزال عواقب إجراء تغييرات كهذه في إعدادات الطبيعة مجهولة حتى الآن. ومن المُمكن في نهاية المطاف أن يتغير مسار الحياة البشرية بحدّ ذاته.

 

وبالتالي، يُعتبر هذا العصر كذلك عصرَ المسؤولية الكُبرى، إذ بات من الضروري إيجاد طريقة لضمان استخدام التكنولوجيا الحيوية لما فيه خير البشرية.

 

سيناريوهات أقرب إلى الخيال العلمي

 

لا يُعتبر مجال التكنولوجيا الحيوية علماً جديداً، إذ قام المزارعون عبر آلاف الأعوام بتحسين أنواع النباتات من خلال عملية التلقيح المتبادل أو عملوا على تغيير خصائص الحيوانات من خلال التهجين المتبادل.

 

لكنّ التطورات العلمية الحديثة أدخلت هذه الأساليب إلى المختبرات، مما جعلها قابلة للتنفيذ على نطاق غير مسبوق على الإطلاق.

 

وصرّحت إيلين يورجنسن، المؤسسة المشاركة ورئيسة منظمة "بيوتيك ويذاوت بوردرز"، خلال القمة العالمية للحكومات بدبي لعام 2018 بأنّ التكنولوجيا الحيوية "أكثر أنظمة التصنيع تطوراً على وجه الأرض". وأضافت يورجنسن قائلة بأنّ قراءة شيفرة الحمض النووي باتت أقلّ تكلفة من أيّ وقت مضى، مما يُبشّر بعصرٍ جديد من الطب المخصص.

 

وقالت: "نحن لم نعد نفهم الجينوم (المحتوى الوراثي) الخاص بنا فحسب، بل بتنا قادرين على تعديله أيضاً. وأصبح بإمكاننا الآن إجراءات تعديلات على الجنين البشري. ولأوّل مرة على الإطلاق نحن في مواجهة سيناريوهات مشابهة لسيناريوهات الخيال العلمي".

 

القضاء على الملاريا

 

ليس هناك شك بأنّ التكنولوجيا الحيوية قادرةٌ على حلّ أكثر المشاكل العالمية إلحاحاً، كالأمن الغذائي والطاقة والرعاية الصحية.

 

من جانبها، أوضحت جنيفر كاهن، المُحاضِرةُ في كليّة "يو سي بيركلي" للدراسات للعليا للصحافة، خلال القمة العالمية للحكومات لعام 2018 بأنّه بات مُمكناً من الناحية التقنية، بناءً على المعارف العلمية الحالية، القضاء على الملاريا على سبيل المثال، الذي يُعتبر أكثر الأمراض فتكاً في العالم، خلال عام واحد.

 

وبيّنت كاهن كيف يُمكن لتكنولوجيا التكرارات العنقودية المتناوبة منتظمة التباعد "كريسبر" أن تمكّن الباحثين من إجراء تعديلات مستمرة على الجينات التي تعيش في الخلايا مع احتمال تصحيح الطفرات الجينية بغية علاج المُسببات الجينية للمرض.

 

ويُعتبر محرك الجينات إحدى الأدوات القائمة على تقنية "كريسبر"، حيث يتم البدء بتغيير جيني داخل الكائن الحي عن طريق دورته الوراثية.

 

وقالت كاهن: "يقول الباحثون بأنه إن قُمت بوضع محرك جينات مضاد للملاريا في واحد بالمائة من بعوض الأنوفيليس فقط، وهي الكائن الحي الذي يقوم بنقل مرض الملاريا، فسينتشر بين كل البعوض في غضون عام واحد. مما يعني أنّه توجد إمكانية، من الناحية النظرية على الأقل، للقضاء على الملاريا في غضون عام واحد".

 

كما حذّرت بأنّه قد يكون لمحركات الجينات عواقبُ لم تكن في الحسبان، بالإضافة إلى إمكانية إحداث تحولات جذرية في كائنات حيّة ومنظومات حيوية أخرى.

 

المُعضلات التنظيمية الكبيرة

 

يُمكن أن تكون محركات الجينات طريقة للتخلص من الأنواع الغازية من الكائنات الحيّة، مثل سمك الشبوط الآسيوي في الأنهار الأوروبية، وذلك من خلال تعديل هذا النوع بغية إنتاج ذُريّة ذكرية فقط. وأوضحت كاهن أن هذا الكلام يعني نظرياً بأن باستطاعتنا الحفاظ على بعض الأنواع التي باتت على حافة الانقراض.

 

إلّا أنّ محركات الجينات فعّالة للغاية لدرجة أنّه لو تم جلب إحدى أسماك الشبوط المعدّلة إلى آسيا عن طريق الخطأ فهناك إمكانية للقضاء على كافة المخزون الوطني من هذه الأسماك. والإضافة إلى ذلك، قد لا يبقى الأمر مقتصراً على النوع المستهدَف بل يمتد إلى الأنواع المجاورة له.

 

وأوضحت كاهن بأن العلماء يعملون للوصول إلى إجراءات وقائية، مثل المحرك العكسي، أو مفتاح للإبطال.

 

وفضلاً عن ذلك، تتمتع محركات الجينات بأوجه أخرى من القصور. فمن ناحية، فإنها لا تعمل إلّا بين الأنواع القادرة على التكاثر جنسياً، أي أنها لا تعمل في صفوف البكتيريا والفيروسات، كما أنّها تعمل لدى الأنواع ذات الدورة التكاثرية السريعة فقط أي أنّها لن تنجح مع البشر والفيلة، لأنّ الآثار قد تحتاج إلى قرون.

 

تُبرز هذه التطورات التكنولوجية كمّاً هائلاً من المُعضلات التنظيمية والسلوكية والأخلاقية. مثلا، من الذي سيتمتع بإمكانية الوصول إلى هذه التكنولوجيا ومن سيقرر كيفية ومكان استخدامها؟ إنّ البعوض وأسماك الشبوط لا تحترم الحدود بين الدول، إذاً ما الذي سيحصل لو أرادت دولة ما استخدام التكنولوجيا الحيوية لتعديل أحد الأنواع، بينما لم ترغب الدولة المجاورة بذلك؟ من الذي سيكون من حقّه اتخاذ القرار النهائي؟

 

تبسيط نشر العلوم

 

قالت كاهن إن على الحكومات أن تؤدي دوراً بالغ الأهمية، لكن تتمثل المشكلة في أنّ هذه التكنولوجيا تتحرك بوتيرة أسرع مما يُمكن للحكومات مجاراته. وأردفت: "ينبغي علينا أن نقيّم المخاطر والمنافع بصدق بناءً على أفضل الأدلة العلمية، ومن ثمّ نقوم بنشر النتائج بشفافية وحذر. ولن يكون هذا بالأمر الهيّن، إذ تُظهر الحركة المناهضة للتطعيم مثلا أنّ الناس لا يثقون بالدراسات العلمية بشكل دائم".

 

كما تضطلع المنظمات الحكومية وغير الحكومية بدور رئيسي في دعم وزيادة الوعي بشأن العلم، وقالت كاهن في هذا السياق: "يتمثل الدور الأهم الذي ينبغي علينا كحكومات ومواطنين أن نؤديه في فهم الآثار الهامة، ومناقشتها بذكاء ووضوح".

 

وأضافت: "سيكون لنجاحنا في القيام بذلك من عدمه دورٌ في تحديد مستقبلنا بكلّ ما للكلمة من معنى".

 

من جانبها أشارت يورجنسن، التي كرّست منظمتها غير الربحية لتعزيز العلوم وإمكانية الوصول إلى التكنولوجيا الحيوية، أنّه ينبغي على الحوار أن يشمل الجميع؛ وقالت: "بإمكاننا تبسيط نشر هذه التكنولوجيا، أو على الأقل دفع الجميع للمشاركة بطريقة عملية أو فهمها بشكل أفضل؛ إذ ما زال جزء كبير من هذا التقدم مجهولاً بين العديد من الدوائر. كما أنه لا يزال من غير المعلوم في بعض المجتمعات بشكل عام ما إذا كانت توجد أصلاً إمكانية لتعديل الجينوم البشري".

 

وأشارت إلى أنّه يجب أن يكون أكثر الأشخاص تأثراً بهذه التكنولوجيا جزءاً من هذا الحوار، مضيفة أن بإمكاننا بهذه الطريقة أن نُشجّع على الابتكار المسؤول وأن نحرص على أن تعمّ الفائدة الجميع، بدلاً من البعض.

 

وأضافت: "نحن نعيش في عصر المعجزات، ولا بدّ من مشاركة هذه المعجزات مع الجميع".