كيف يقوم الذكاء الاصطناعي بتحويل الحكومات
ستشهد المكاتب الحكومية التحولات الناتجة عن التكنولوجيا التطويرية مثل الذكاء الاصطناعي، بقدر ما ستشهدها مكاتب القطاع الخاص.
فمن الممكن أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الوظائف البشرية المتكررة كإرسال إشعارات التذكير الضريبية ومدفوعات المعاملات.
هذا وتقوم برمجيات التخاطب الإلكتروني "تشات بوتس" بالفعل بالرد على استفسارات الجمهور، في حين سيتم قريباً استخدام الروبوتات الفعلية على نطاق واسع لتنظيف الشوارع والحفاظ على الأمن وصيانة الأماكن العامة.
لكن هذه المهام لن تكون سوى جزءاً يسيراً مما قد يكون الذكاء الاصطناعي قادراً على تحقيقه حين يتعلق الأمر بإعادة التفكير في الخدمات العامة.
البيانات الكبيرة
تحظى عملية جمع وتحليل البيانات بالقدرة الأكبر على إحداث تحوّل في الخدمات الحكومية.
ويمكن استخدام المعلومات الرقمية والتعلم الآلي لإثراء تطبيقات التخطيط وإدارة سلاسل التوريد. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أيضا التنبؤ بالعادات والاحتياجات المستقبلية للمواطنين، الأمر الذي سيساعد في خفض التكاليف، من خلال السماح على سبيل المثال للحكومات المحلية بتنظيم عمليات جمع النفايات فقط عند الحاجة إليها، أو عبر اقتراح طرق بديلة لحركة المرور بعد وقوع حادث سير.
وقد جرى بالفعل استخدام الخوارزميات التنبؤية لبعض الخدمات العامة، مثل إدخال المرضى إلى المستشفيات، إلا أنه يمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً أن يساعد في مجالات أخرى، مثل اختيار الموظفين وتخصيص التعليم أو تحديد أنماط الأنشطة الإجرامية.
أداة لمكافحة الفساد
من المرجح أن تُحدث تقنية التعاملات الرقمية "بلوك تشاين" تغييرات جذرية عندما يتعلق الأمر برفع مستوى الكفاءة والشفافية، إذ تخزن هذه التقنية أجزاء من البيانات مثل سجلات المعاملات، وقد تم تطويرها لتسجيل صفقات العملات المشفرة بأمان ودقة.
وبإمكان تقنية "بلوك تشاين" كذلك إنشاء سجلات عامة لجميع المعاملات المتعلقة بالدولة، مما يساعد في مكافحة الاحتيال والفساد. كما يمكن استخدامها لتخصيص العقود التي تديرها الدولة عن طريق اختيار الشركات من قائمة مزودي الخدمات المعتمدين، وفق معايير محددة مثل السلامة واحترام المواعيد النهائية والتقيّد بالميزانيات. وبذلك يمكن أن تساعد التقنية على تقليص الحاجة إلى عمليات المناقصة التي تستغرق وقتاً طويلاً أو إلغائها.
التصويت الإلكتروني والهويات الإلكترونية
تستخدم العديد من الحكومات والسلطات الإقليمية الذكاء الاصطناعي وتقنية "بلوك تشاين" بشكل فاعل.
وكانت إستونيا واحدة من أوائل الدول التي عمدت إلى أتمتة العمليات الحكومية. وفي عام 2000 بدأت اجتماعات مجلس الوزراء تُعقد من دون الحاجة إلى أوراق، كما أطلقت الدولة التصويت الإلكتروني في عام 2007.
وبحلول عام 2012 ، تم استكمال جباية نحو 94% من العائدات الضريبية عبر الإنترنت، حيث جرت أتمتتها بفضل التعاون بين الهيئات الضريبية والمصارف المحلية.
وفي الوقت نفسه، جرت بالفعل تجارب على حافلات بدون سائق في العاصمة تالين.
وتشارك الحكومة الآن في نقاش مفتوح بشأن كيفية قيام الأجهزة والخوارزميات الذكية بتغيير المجتمع، بما في ذلك التشريعات التي ستكون مطلوبة لتنظيم التقنيات الذكية.
وقال مارتن كايفاتس، مستشار الابتكار الرقمي في وحدة الاستراتيجية التابعة لمكتب الحكومة في إستونيا: "يعتبر العمل على قوانين المرور فقط غير معقول نوعاً ما. إن مسألة الذكاء الاصطناعي أوسع بكثير والنطاق يتعدى مجرد التعامل مع قوانين المرور".
من جهة أخرى، كشفت الإمارات العربية المتحدة عن استراتيجية الذكاء الاصطناعي الخاصة بها التي تهدف إلى إزالة 250 مليون معاملة ورقية وتوفير 190 مليون ساعة عمل سنوياً، مما يخفض التكاليف الحكومية بشكل كبير.
وتعمل هونغ كونغ على تبني الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه التنبؤ بالكوارث الطبيعية والاستجابة لها، من خلال تركيب أجهزة استشعار لجمع بيانات في الوقت الفعلي عن التلوث والانهيارات الأرضية ومستويات المياه واستهلاك الطاقة.
طرق العمل
تستخدم مدينة أيندهوفن الهولندية وعلى نحو مبتكر جمع البيانات بفضل أجهزة التعقب والكاميرات والميكروفونات المثبتة على المصابيح والتي تعمل بتقنية "واي فاي". ويمكن لتلك الأجهزة أن تنبه الشرطة إلى أي سلوك عدواني في الأماكن العامة.
ويجري جمع بيانات أكثر شمولاً في مدينة هانغتشو الصينية في مشروع يُعرف باسم "عقل المدينة" ("سيتي برين")، والمقدّم من قبل شركة الحوسبة السحابية التابعة لشركة التكنولوجيا "علي بابا".
وتم في المشروع جمع المعلومات المتعلقة بالمواقع وبشبكات التواصل الاجتماعي وعادات التسوق لأكثر من 9 ملايين من السكان، واستُخدمت هذه المعلومات بهدف إثراء عملية صنع القرار.
ويقول مؤيدو النظام إنه ساعد في خفض مستويات الجريمة، وقلّص من الازدحامات المرورية ومن حوادث الطرق كذلك. كما استقطب البرنامج الاهتمام من مكان آخر، إذ أعلنت حكومة ماليزيا أنها ستستخدم أيضاً مشروع "سيتي برين" للمساعدة في إدارة مدينة كوالا لمبور على نحو سلس.
هذا وتراقب الدول في جميع أنحاء العالم هذه المشاريع عن كثب لتحديد ما يناسبها على نحو أفضل من النواحي الجغرافية والقانونية واحتياجات المواطنين.
وقد تود بعض الدول مناقشة الأخلاق والقيم والقوانين المتعلقة بالخصوصية، وجمع البيانات على نطاق واسع واستخدامها.
لكن بصرف النظر عن طريقة استخدامها، فإن هذه التقنيات ستساعد الحكومات في محو الانطباع المأخوذ عنها بأنها غير فعالة وبطيئة.