English
s

كلّما زاد التلوّث الجوي، كلّما زاد الضغط النفسي

Futurity air pollution mental health Shutterstock Tom Wang 337469090

أشارت دراسة حديثة إلى أنه كلّما زادت نسبة الجسيمات الدقيقة في الجو، كلّما زادت علامات الضغط النفسي.

 

وتقول أنجوم هجات، البروفيسور المساعد لعلم الأوبئة في كلية الصحة العامة بجامعة واشنطن: "تمهّد هذه الدراسة إلى مسار جديد بشأن الآثار الصحية للتلوّث الجوي. فآثار التلوّث الجوي على صحة القلب والأوعية الدموية وأمراض الرئة مثل الربو معروفة منذ زمن، ولكن هذا المجال المتعلّق بصحة الدماغ يعدّ مجالاً جديداً للبحث".

 

جودة الهواء وجودة الحياة

 

قد يُحدث مكان الإقامة فرقاً كبيراً على الصحة وجودة الحياة، وعرّف العلماء "المحدّدات الاجتماعية" للرفاه البدني والذهني، مثل توفّر مأكولات صحية في محلات البقالة المحلية، أو القرب من الأماكن الطبيعية، أو سلامة وأمن الأحياء.

 

ويخلّف كل ازدياد في التلوّث بمعدل 5 ميكروغرام لكل متر مكعب الأثر نفسه الذي يخلّفه الانقطاع عن التعليم لمدة سنة ونصف.

 

وكان الباحثون قد وجدوا سابقاً علاقة بين التلوّث الجوي والتغيّرات السلوكية من قبيل قضاء وقت أقل في الخارج أو اختيار أسلوب حياة بطابع روتيني أكثر، والتي قد تكون نتيجة الضغط النفسي أو العزلة الاجتماعية.

 

وبحثت الدراسة الجديدة عن صلة مباشرة بين الهواء الملوّث والصحة النفسية، وأجرت أبحاثها على 6,000 شخص شاركوا في دراسة وطنية طويلة وواسعة النطاق هي دراسة آليات الدخل. ثم دمج الباحثون قاعدة البيانات الخاصة بالتلوّث الجوي مع السجلات الخاصة بالأحياء التي يقطنها كل من المشاركين الـ6,000 في الدراسة الاستقصائية.

 

وركّز الفريق على قياس الجسيمات الدقيقة وهي المواد التي تنتجها محرّكات السيارات، والمدافئ، ومواقد الأخشاب، ومحطات الكهرباء التي تعمل على الفحم أو الغاز الطبيعي.

 

ويتنشّق الناس بسهولة بالغة هذه الجسيمات الدقيقة (يبلغ قطر الجسيمة الواحدة أقل من 2.5 ميكرومتر) لتدخل في مجرى الدم، ويعتبر الخطر الناجم عنها أكبر من خطر الجسيمات الكبيرة (لفهم مدى صغر الجسيمة الدقيقة علينا أن نعلم أن متوسط قطر شعرة الإنسان يبلغ 70 ميكرومتراً).

 

ويبلغ معيار السلامة الحالي بالنسبة للجسيمات الدقيقة 12 ميكروغراماً لكل متر مكعب بحسب أرقام وكالة الحماية البيئية الأمريكية. وكان المشاركون في الدراسة يقطنون مناطق تراوحت فيها الجسيمات الدقيقة ما بين 2.16-24.23 ميكروغراماً لكل متر مكعب بمتوسط يبلغ 11.34، وذلك خلال الفترة ما بين عامي 1999-2011، وهو الوقت الزمني الذي أجرى فيه الباحثون الدراسة.

 

وقام الباحثون بقياس مشاعر المشاركين من الحزن والعصبية واليأس وما شابه، مع توجيه الأسئلة المتعلقة بالدراسة، ودوّنوا الردود وفقاً لمقياس وضعوه لتقييم الضغط النفسي.

 

ووجد الباحثون بأن خطر الضغط النفسي ارتفع مع ازدياد كمية الجسيمات الصغيرة في الهواء. فعلى سبيل المثال، زادت معدلات الضغط النفسي بنسبة 17 في المائة في المناطق التي سجلت نسباً عالية من التلوّث (21 ميكروغراماً لكل متر مكعب) مقارنةً بالمناطق التي سجلت نسباً منخفضة من التلوّث (5 ميكروغرامات لكل متر مكعب).

 

كما توصل الباحثون إلى نتيجة مفادها أن ازدياد التلوّث بنسبة 5 ميكروغرامات لكل متر مكعب له الأثر نفسه الذي يخلّفه الانقطاع عن التعليم لمدة سنة ونصف.

 

تفصيل الأرقام

 

راقب الباحثون العوامل البدنية والسلوكية والاجتماعية والاقتصادية الأخرى التي قد تؤثّر على الصحة النفسية، مثل الأمراض المزمنة، والبطالة، والإفراط في شرب الكحول.

 

وتفسّر فيكتوريا ساس، المؤلفة الرئيسية للدراسة والطالبة الجامعية في قسم العلوم الاجتماعية، النتائج بالقول بأن بعض الأنماط بيّنت الحاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات.

 

تتنفّس الشعوب الملوّنة المزيد من الهواء الملوّث

 

عندما قسّم الباحثون البيانات بحسب العرق والجنس، تبيّن أن الرجال السود والنساء البيض يظهران علاقة أكثر وضوحاً بين التلوّث الجوي والضغط النفسي: إذ كان مستوى الضغط لدى الرجال السود مثلاً في المناطق ذات النسب العالية من التلوّث أكثر بنسبة 34 في المائة عن مستوى الضغط النفسي لدى الرجال البيض، وبنسبة 55 في المائة عن مستوى الضغط النفسي لدى الرجال اللاتينيين. وأشارت الدراسة إلى نتيجة ملحوظة لدى النساء البيض وهي الارتفاع الملموس في الضغط النفسي بنسبة 39 في المائة مع ارتفاع مستويات التلوّث.

 

وتقول ساس بأن السبب الدقيق لتأثير التلوّث الجوي على الصحة النفسية، ولا سيما لدى شعوب محددة، لم يصبّ في نطاق الدراسة، ولذا لا بد من إجراء المزيد من الأبحاث.

 

وتضيف ساس قائلة: "يشهد مجتمعنا انقساماً وتوزعاً طبقياً، ما يفرض عبئاً إضافياً غير ضروري على بعض الشرائح، إذ أن حتى المستويات المعتدلة من التلوث قد تضرّ بالصحة".

 

غير أن التلوّث الجوي، على حدّ قول هجات أمر يستطيع الناس تخفيفه، وهو يشهد تراجعاً في الولايات المتحدة، ويعدّ مشكلة صحية لها حل واضح وعملي.

 

وتضيف ساس بأن هذا الحل يستدعي توافر الإرادة السياسية لمواصلة تنظيم جودة الهواء.

 

وتستطرد: "يجب ألا نعتبر هذا الأمر مشكلة تمّ حلّها. هناك الكثير مما يجب أن يقال في هذا السياق لوضع إرشادات فيدرالية تُطبّق بحذافيرها، وتطويرها باستمرار، فقدرة المجتمعات على التمتّع بهواء نظيف تتأثّر نتيجة التراخي في فرض القوانين".

 

في شمال الصين، يقلّص التلوّث الجوي سنوات من العمر المتوقع.

 

نشر الباحثون نتائج الدراسة في مجلة "هيلث آند بليس".

 

إن المؤلفين الإضافيين لهذه الدراسة هم من جامعة واشنطن، وكلية ديفيس للطب بجامعة كاليفورنيا، وكلية بوسطن للخدمة الاجتماعية.

 

وقام معهد يونيس كينيدي شرايدر الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية ومركز الدراسات الخاصة بالديموغرافيا وعلم البيئة بتمويل هذه الدراسة.

 

المصدر: جامعة واشنطن.

 

الدراسة الأصلية