قوانين عفا عليها الزمن تعيق مسار أوبر وتؤخر التقدم
تصدّرت شركة مشاركة ركوب السيارات (Uber) قائمة الشركات التي تفسد المخططات في القطاعات المرتبطة بها، إذ يمكن لقوة وسهولة استخدام المنصات الجوالة أن تتوافق بفعالية مع الموارد واليد العاملة أو كليهما لدى الأشخاص الذين يحتاجون إليها. وقد تنبّهت لذلك الجهات الفاعلة الراسخة في الأسواق المنظمة، وتُرِكَت القوانين غير مؤهلة عن عمد في الكثير من الحالات.
لقد بُنِي العالم الحديث على ما يصفه الخبير الاقتصادي جوزيف شومبيتر بـ"التدمير الخلّاق". فعندما تتقادم القوانين أو يصبح بالإمكان التحايل عليها بواسطة تقنيات أو أساليب جديدة، فإنه يمكن للشركات الجديدة التشويش على أعمال الشركات القائمة من خلال الابتكار خارج النطاق الذي تغطيه الجهات التنظيمية.
عندما انطلقت (Skype)، وهي خدمة الاتصالات الصوتية والمرئية ذائعة الصيت، للمرة الأولى، كانت تعتبر غير قانونيةٍ في مناطق كثيرة من العالم. ووضعت منذ ذلك الحين الأسس لسوق عالمية لتقنيات الاتصالات الصوتية عبر بروتوكول الإنترنت، وأسهمت بخفض أسعار الاتصالات الصوتية والمرئية، وتغيير طريقة التواصل بين ملايين البشر.
وبإمكان الشركات الجديدة أن تقدم خدماتٍ جذابة تستقطب الكثير من العملاء وبسرعةٍ كبيرة، بحيث تُقنع ضخامة الأعداد الجهات المنظمة (أو حتى ترغمها) على الاعتراف بالواقع الجديد، بدليل العريضة الكبيرة التي ضمت 850 ألف شخص وتصدّت لقرار إلغاء رخصة شركة (Uber) في لندن.
"الانتقال نحو اقتصاد المشاركة عبر المنصات الرقمية" (Uberisation)
كانت شركة (Uber) الطفل المدلل لاقتصاد المشاركة في القرن الـ21 الذي يتحدى قوانين القرن الماضي، وقُدّرت قيمة الشركة بنحو 70 مليار دولار أمريكي، متخطيةً المخاوف بشأن جدوى نموذج الأعمال الخاص بها وسلسلة الأخبار المتعلقة بالثقافة المؤسسية الضعيفة والسلوك السيئ لديها.
وألهم الابتكار الخاص بشركة (Uber) العديد من الشركات الناشئة الأخرى في مختلف القطاعات في جميع أنحاء العالم، بدءاً بالشركات المنافسة مثل (Didi Chuxing) و(Lyft)، وصولاً إلى وكيل التأجير خلال العطل (Airbnb)، وشركات الجمع بين الوظائف والمهارات (TaskRabbit) و(WeWork)، والتي تجمع العاملين في إطار اقتصاد الأعمال المفردة مع أماكن العمل والخدمات المشتركة. وعليه، فإننا نحن نشهد انتقالاً نحو اقتصاد المشاركة عبر المنصات الرقمية (Uberisation) في مختلف القطاعات.
تتجاوز أهمية اقتصاد المشاركة إحداث تغيير جذري في سوقٍ منظمةٍ محددة، ممثل بطموح شركة (Uber) إلى جعل عملية التوصيل رخيصةً ومريحةً للغاية بحيث يستغني الكثيرون عن امتلاك سيارة. في الواقع، فإن الشركة تمتلك القدرة على إعادة ابتكار النقل المدني وتحويل المدن مع الحد من الحوادث المرورية والتلوث.
كما يمكن أن تتجاوز القيمة الهائلة للبيانات التي تجمعها من ملايين الجولات كل يوم عمليات التوصيل ذاتها، ويمكن أن تغيّر التنقلات حسب الطلب التي بدأتها شركة (Uber) وشركاؤها أساليب حياتنا وأن تفضي إلى أساليب عملٍ ومعيشة جديدة.
ومع ذلك، فمن المحتم أن تصطدم ابتكاراتٌ هائلةٌ كهذه بالجهات المنظمة وأن تواجه مقاومةً من المصالح الشخصية. ويكمن السؤال في كيفية الحفاظ على التوازن القائم بين القواعد التنظيمية والابتكار. ويطرح رفض هيئة النقل في لندن (TfL) تجديد رخصة شركة (Uber) - بصرف النظر عن الاستئناف - تساؤلاتٍ خطيرة حول إمكانية تسبب التنظيمات القائمة في المملكة المتحدة وأوروبا بالقضاء على ابتكارات واعدة.
الفشل في التنافس
لعل ما يجب أن نخشاه هو إخفاق الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة حتى الآن بتأسيس العديد من الشركات الرقمية الخاصة التي تتخطى قيمتها مليار دولار أمريكي، على الرغم من استثمارات الأبحاث والتطوير الكبيرة في مجال التكنولوجيا الرقمية من قبل البرامج الإطارية للاتحاد الأوروبي والتي تبلغ قيمتها عدة مليارات اليوروهات وبرنامج الاقتصاد الرقمي الذي تبلغ قيمته 150 مليون جنيه إسترليني من مجالس البحوث في المملكة المتحدة. وتعد شركة (Spotify) إحدى الاستثناءات، حيث انطلقت شركة البث المباشر للموسيقى عبر الإنترنت في السويد عام 2008 وقُدّرت قيمتها بـ8.5 مليار دولار أمريكي.
وبكل بساطة لا يوجد منافسون في أوروبا لتطبيقات (Facebook) و(Apple) و(Netflix) و(Google) أو ما يسمى بشركات (“FANGs”) الأمريكية، أو تطبيقات (Baidu) و(Alibaba) و(Tencent) أو ما يسمى بشركات (“BATs”) الصينية. وساهمت القوانين الصارمة في بعض دول الاتحاد الأوروبي، إضافةً إلى الحواجز اللغوية والثقافية، في تجزئة السوق الأوروبية الموحدة، مما يزيد من صعوبة وتكلفة تحدي الشركات الجديدة للشركات القائمة وتوسيع نطاق عملياتها في أوروبا.
هذا ونجحت شركة (Uber) باختراق سوق مُنَظّمة من خلال الالتفاف على القوانين وتقديم خدمات مناسبة لنحو 40 ألف سائق و3.5 مليون عميل في لندن وحدها. ومع ذلك، فإن نجاحها المستقبلي في المملكة المتحدة وأوروبا ليس مضموناً بأي شكل من الأشكال.
يجب أن تعيد هيئة النقل في لندن النظر في قضية أوبر، فبالرغم من الأخطاء العديدة التي ارتكبتها الشركة، إلا أنها لا تزال شركةً يافعةً، ويمكن إصلاح مشاكلها، ربما باستثناء غضب سائقي سيارات الأجرة السوداء. ولا يعود القضاء على شركة (Uber) بالنفع على العملاء والسائقين، حيث سيضر القيام بذلك بسمعة لندن كمكانٍ للابتكار.
وبالعودة إلى عام 1865، تم إصدار "قوانين المركبات" (المعروف أيضاً باسم قانون العلم الأحمر) في المملكة المتحدة. وكان القانون يقتضي أن يسبق السيارات ذاتية الحركة أحد المشاة ملوحاً برايةٍ حمراء أو يحمل فانوساً لتحذير الناس من اقتراب السيارة. ويمكن أن نسخر جميعاً من مدى سخافة ذلك الآن، ولكن الأعلام كانت مفيدةً في حينها، قبل أن تصبح لاغيةً.
ويجب أن تراعي هيئة النقل في لندن ذلك، حيث لا ينبغي أن تحد القوانين من الابتكارات التي تحسن حياة الناس. وساهمت شركة (Uber) بشكل واضح بتحسين حياة الكثيرين في لندن وجميع أنحاء العالم، موفرةً فرص العمل إضافةً إلى خدمات نقل ميسورة التكلفة ومريحة لعدد كبير من المستهلكين. وفي حال وجود مشاكل أو مخاوف، يتعين على هيئة النقل في لندن أن تعمل بشكل بناّء مع شركة (Uber) لمعالجتها. فاقتصاد المشاركة وُجِد ليبقى، وتتمتع لندن حالياً بفرصة لتظهر لأوروبا كيفية وضع قوانين متطورة في عالم من الابتكارات السريعة.