English
s

دعوات لإيجاد سبل جديدة سريعة وميسورة الكلفة لمكافحة الملاريا

Untitled Mosquito Nets

الملاريا مرض خطير يهدد حياة الملايين في الاقتصادات النامية، إذ أصاب 216 مليون شخص في عام 2016، في 91 دولة، وتسبب بوفاة 445,000 شخص منهم.

 

وتتكرر الإصابة بهذا المرض، الذي يسببه طفيلي ينتشر عن طريق أنثى بعوض "أنوفيليس" (Anopheles)، في الدول التي تفتقر للبنية التحتية، وتتباعد فيها المسافات بين المرافق الصحية والمجتمعات.

 

ويساهم الجو الدافئ والجاف، الذي يترافق مع الأمطار الغزيرة التي تخلّف الماء في برك صغيرة أو البحيرات أو الأنهار، في توفير المناخ المناسب لتكاثر البعوض.

 

وعلى صعيد النطاق الجغرافي للمرض، فإن إناث البعوض الطفيلي من فئة المتصورة المنجلية (P. falciparum) هو غالبا المسؤول عن معظم الوفيات المتعلقة بالملاريا في جميع أنحاء العالم، بينما يعد بعوض المتصورة النشيطة (P. vivax) المسبب الأول للملاريا خارج نطاق أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

 

وعانت منطقة أفريقيا من 90% من الإصابات و91% من الوفيات، عدا عن الأعباء الاقتصادية للملاريا، التي تضاف إلى المآسي الشخصية.

 

وقدرت مراكز مكافحة الأمراض واتقائها في الولايات المتحدة التكاليف المباشرة للمرض، في عام 2016، في الدول المتأثرة بـ12 مليار دولار أمريكي تقريباً، في حين كانت الخسارة في النمو الاقتصادي أكبر بكثير.

 

استجابات منخفضة التكلفة والتقنية

 

تتراوح العلاجات والإجراءات الوقائية بين الناموسيات ورش المبيدات الحشرية، إلا أن العلماء يأملون أن تضع التطورات التكنولوجية حداً نهائياً للملاريا، مثل البعوض المعدّل وراثياً بشكل يفقده القدرة على نقل المرض. لكن لا يزال أمامنا شوط طويل لنقطعه قبل هذه المرحلة.

 

 من جهة أخرى يقوم الباحثون حالياً بتجربة أساليب أخرى يمكن أن تقدم نتائج فعالة، ومن الجدير بالذكر أن بعضها ليس متطوراً أو معقداً.

 

رائحة الموت

 

يعتبر تقليد رائحة البشر أحد الأساليب التي يتبعها الباحثون لاستدراج هذه الحشرات والقضاء عليها، حيث طورت شركة "آي إس سي إيه تكنولوجيز"، في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، أسلوباً زهيد الكلفة لتحقيق ذلك باستخدام ما يسمى بالدالات الكيميائية (semiochemicals)، مثل الفيرمونات وغيرها من المفرزات لاستدراج الحشرات إلى قطعان ماشية معالجة ومحقونة بمواد قاتلة للحشرات.

 

وقامت شركة "آي إس سي إيه" بتجاربها في تنزانيا والبرازيل والولايات المتحدة. ويمكن أن تفيد هذه الأساليب مستقبلاً في مكافحة أمراض أخرى مثل حمى الضنك وفيروس غرب النيل وفيروس زيكا.

 

كما تتضمن أساليب أخرى طرحتها شركة "آي إس سي إيه" رش مناطق تكاثر البعوض قبل موسم المطر بمواد كيميائية تنشط بالتفاعل مع الماء، وتجذب إناث البعوض لوضع بيوضها في المنطقة المعالجة ببكتريا تقتل يرقات البعوض دون التأثير على الكائنات الحية الصغيرة الأخرى.

 

كما أن الشركة تملك أيضا منتجاً مصنّعاً من النباتات يتمتع برائحة تشبه الرحيق لكنه ممزوج بمبيد حشري. ويمكن رش هذا المنتج خارج المنازل لاستدراج الحشرات والقضاء عليها.

 

وأشارت شركة "آي إس سي إيه" إلى أن هذه الأساليب، إضافةً إلى كونها زهيدة الكلفة، تسمح باستخدام المبيدات الحشرية في المناطق المستهدفة بدقة، مما يساعد على خفض مقاومة الحشرات للمبيدات.

 

التلاعب بالمواطن الطبيعية

 

تعتبر الحمية الغذائية الغنية بالسكريات أساسية للبعوض، ويمكن أن يكون لبعض أنواع النباتات الغازية تأثير مباشر على انتشار الملاريا.

 

ومن النباتات الهامة في هذا المجال الغاف العسيلي (Prosopis juliflora)، وهو أحد أنواع نبات المسكيت، الذي نُقل إلى قارة إفريقيا في سبعينيات القرن الماضي لتشجير الصحاري.

 

وفي عام 2016، استهدف الباحثون تسع قرى في مالي في غرب أفريقيا، لدراسة تأثير إزالة هذه الأشجار على أعداد البعوض، حيث تمت دراسة ست قرى تحتوي على الغاف العسيلي ومقارنته بثلاث قرى خالية منه.

 

وتمت إزالة الفروع المزهرة من الأشجار في القرى الثلاث ومراقبة أعداد البعوض فيها. وتبين أن أعداد إناث بعوض "أنوفيليس" الأكبر والأخطر في هذه القرى تراجعت ثلاثة أضعاف، في حين تراجعت أعداد الحشرات الإجمالية بنسبة 69.4 في المائة.

 

أما القرى الست الباقية فقد شهدت وجودا لإناث البعوض أكثر بست مرات، لكن أعدادها تراجعت ثلاثة أضعاف أيضاً بمجرد إزالة الفروع المزهرة من هذه الأشجار.

 

أمل جديد

 

أشارت "فاينانشال تايمز" في أغسطس إلى بدء التجارب السريرية في إفريقيا وآسيا لأول دواء للملاريا، تم تطويره على مدى 20 عاماً.

 

وقامت شركة "نوفاتريس" السويسرية بتطوير الدواء (KAF156) بالتعاون مع مشروع أدوية الملاريا (MMV)، وهو شراكة بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات الخيرية بما في ذلك "ويلكم" و"مؤسسة غيتس".

 

وتشير الأبحاث إلى أن الدواء يساهم في إزالة عدوى الملاريا بسرعة، بما فيها السلالات المقاومة، ويمنع انتقال المرض. وسيشارك 500 شخص تقريباً من الراشدين والأطفال المصابين بالملاريا في التجربة على مدى الأعوام المقبلة في دولتين آسيويتين وسبع دول أفريقية.

 

استمرار ارتفاع التكاليف

 

وسلط المقال المنشور في "فاينانشال تايمز" الضوء على إحدى المزايا الهامة للجهود العالمية للقضاء على الملاريا. وأشار الرئيس التنفيذي لمشروع أدوية الملاريا، ديفيد ريدي، أن تطوير (KAF156) تم بفضل التعاون بين الشركات والمؤسسات الخيرية؛ وقال "إذا كانت أي شركة تسعى للربح التجاري فقط، فإنها لن تشارك في هذا المشروع"، وهي نقطة هامة في هذا السياق، إذ لا يحظى الفقراء في الدول النامية بمدخول فائض لدعم تطوير الدواء في المستقبل.

 

وأشارت منظمة الصحة العالمية أن كلفة تمويل مكافحة مرض الملاريا والقضاء عليه بلغت 2.7 مليار دولار أمريكي في عام 2016، وبلغت المساهمات من الدول المتأثرة 800 مليون دولار أمريكي، أي 31 في المائة فقط.

 

ومن المتوقع أن تتطلب مكافحة المرض استخدام عدة منهجيات إلى حين العثور على حل واحد ناجع.

 

إلا أن دراسة الحكومات في جميع أنحاء العالم لمقترحات خفض المساعدات المقدّمة استجابة للعجز في ميزانياتها، يهدد بتقويض التقدم المحقق حتى الآن، أي زيادة إجراءات الوقاية والتحكم بانتشار المرض، والتي أدت إلى خفض معدل الوفيات بسبب الملاريا بنسبة 29% منذ عام 2010.

 

ومع مساهمة التغير المناخي وحركة السفر في تغيير أنماط انتشار المرض، فإن الملاريا وأمراضاً أخرى مثل زيكا بدأت تظهر في مناطق جديدة كانت نسبة انتشارها فيها منخفضة للغاية.

 

ويمكن أن يكون شعار "العمل الخيري يبدأ من الخارج" مفيداً للدول الساعية إلى خفض أضرار وباء قاتل يصعب التصدي له.