تقاسم عبء تأثير التغير المناخي على الدول الجزرية الصغيرة
على الرغم من أنّ التغير المناخي هو نتاج ممارسات الدول الصناعية الغنية، إلاّ أنّ أشد وأسوأ عواقبه ستظهر بعيداً عن شواطئها وحدودها.
فوفقا لمدونة صندوق النقد الدولي، فإن العبء الأكبر من العواقب السلبية سيقع على الدول الأقل قدرة على تحمله، أي الدول ذات الدخل المنخفض. وفي إطار تعليقه على الموضوع، قال مقرر الأمم المتحدة الخاص للحق في التنمية سعد الفرارجي: "يدفع الناس في البلدان النامية ثمنا باهظا للممارسات العالمية الخارجة عن إرادتهم".
ويتطلب هذا الظلم استجابة عالمية تأخذ بعين الاعتبار أنّ ممارسات أي دولة في العالم قد تؤدّي إلى عواقب وخيمة في دول أخرى.
مواطنون عالميون
أوضح الممثل الأمريكي روبرت دي نيرو هذه النقطة في كلمته التي ألقاها في القمة العالمية للحكومات 2018، حيث أشار أمام الوفود المشاركة قائلاً: "يجب تصنيفنا على أنّنا مواطنو هذا العالم، لا مواطنين في بلادنا فحسب".
وأضاف: "علينا أن ندرك أننا نؤثّر ونستطيع التأثير على إخوتنا وأخواتنا على بعد عشرات الآلاف من الأميال، وأنّ قلوبنا لا تفرق بين الأفراد الأقل حظاً في بلادنا أو هؤلاء المقيمين خارج حدودنا".
ويعدّ ارتفاع منسوب البحار حول الدول الجزرية الصغيرة أحد أوضح تأثيرات التغيّر المناخي. فوفقاً للتقرير الأخير الصادر عن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة الأمريكية، يُتوقّع ارتفاع منسوب البحار عالمياً ما بين 0.3 و2.5 متر بحلول عام 2100.
ومن الواضح أنّ الجزر المنخفضة مثل جزر المالديف وجزر سليمان وجزر توفالو معرضة للخطر، ليس بسبب انخفاض مساحة اليابسة فيها بسبب تمدد البحار فحسب، بل أيضاً لأنّ مياه البحر ستتسرب إلى إمدادات المياه العذبة وتلوثها.
الحاجة إلى المقاومة
قررت دولة الإمارات العربية المتحدة مساعدة الدول التي تعاني أكثر من غيرها من الأحوال المناخية والجوية القاسية، وذلك من خلال إطلاق مبادرة لمدة عامين لمشاركة وتعزيز مشاريع مقاومة الظروف المناخية في البلدان النامية.
وخصصت الدولة أيضاً أموالاً للاستثمارات المناخية، وتشمل قائمة المستفيدين العديد من الجزر التي تعرضت لأضرار كارثية خلال موسم الأعاصير في عام 2017، حيث تضررت عدة دول بشكل كبير منها جزر أنتيغوا، وجزر توركس وكايكوس، وجزر الباهاماس، وجمهورية الدومينيكان، وكوبا.
كما عانت جزيرة باربودا من أضرار بنسبة 95 في المائة في بنيتها التحتية بعد إعصار إيرما، لتصبح غير صالحة للسكن من الناحية النظرية. لذلك، خصصت الإمارات العربية المتحدة مليون دولار أمريكي لهذه الجزيرة لتعزيز بنيتها التحتية وإعادة تشغيل المرافق للفئات الأكثر فقرا.
وقام رئيس الوزراء، غاستون براون، بوضع خطط لاستخدام الأموال المقدمة لتركيب أجهزة طاقة شمسية من أجل بناء بلد أكثر قدرة على مقاومة الأضرار المناخية، وتحسين الممارسات الصديقة للبيئة في الجزيرة في الوقت ذاته.
اتخاذ موقف
بالإضافة إلى تلقيها الأموال من الدول الغنية، فإن الدول الأصغر تناضل بقوة من أجل الحفاظ على بقائها.
على سبيل المثال، بذل رئيس وزراء جزر مارشال الصغيرة جهوداً كبيرة عبر ممارسة الضغط على المجتمع العالمي من أجل وضع القواعد الجديدة لانبعاثات قطاع النقل البحري التي اعتمدت مؤخراً. وعُقدت اجتماعات بين ممثلي أكثر من 170 بلداً على مدار أسبوعين في المنظمة البحرية الدولية في لندن، للخروج أخيراً باتفاقية تهدف إلى خفض انبعاثات الكربون إلى نصف الكمية المنبعثة حالياً على الأقل بحلول عام 2050.
ومع بدء المفاوضات، سلط وزير البيئة في جزر مارشال، ديفيد بول، الضوء على المحنة التي تعاني منها بلاده، حيث قال: "سنحدد هنا في المنظمة البحرية الدولية خلال الأيام المقبلة، ما إذا كان الأطفال الذين يولدون اليوم في مارشال سيحظون بفرصة لعيش حياة آمنة ومزدهرة، أو سيضطرون لترك أرض أجدادهم والإبحار عبر المحيطات إلى مستقبل غامض ومجهول".
وأضاف قائلاً: "لن أعود إلى دياري وأطفالي وأطفال بلدي حاملاً معي عجز مفاوضات المنظمة البحرية الدولية عن مواجهة التهديد الأكبر في هذا القرن".
ويعود جزء من هذه الأزمة إلى أنّ الجزر تعتمد كلياً على الشحن وتُعتبر الموطن الثاني لأكبر سجل سفن في العالم، بعد باناما.
وفي سياق حديثه إلى "مؤسسة طومسون رويترز"، بعد التوصل إلى هذه الاتفاقية، أفاد الوزير: "على الرغم من أننا دولة صغيرة إلّا أننا نشكل قوة لا يمكن الاستهانة بها في قطاع الشحن البحري".
لذا، فإن مواجهة تغير المناخ تتطلب التعاون بين الجميع، ابتداء بالأفراد الذين يتوجّب عليهم تغيير عاداتهم، ومروراً بالدول الصغيرة التي يتعين عليها ممارسة الضغوط من أجل التغيير، ووصولاً إلى القوى العظمى التي عليها أن تقرر تحمل مسؤولية ممارساتها.
ولن يصبح العالم مكاناً أكثر إنصافاً ما لم تتم كل هذه التغييرات سويةً.